الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ مِن شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُاْ ظِلاَلُهُ عَنِ ٱلْيَمِينِ وَٱلْشَّمَآئِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ }

{ أَوَلَمْ يَرَوْاْ } الهمزة للإنكار والواو للعطف على مقدر يقتضيه المقام. والرؤية بصرية مؤدية إلى التفكر والضمير للذين مكروا السيئات أي ألم ينظر هؤلاء الماكرون ولم يروا متوجهين { إِلَىٰ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ }. وقيل: الضمير للناس الشامل لأولئك وغيرهم والإنكار بالنسبة إليهم. وقرأ السلمي والأعرج والإخوان { أَوَ لَمْ تَرَوْاْ } بتاء الخطاب جرياً على أسلوب قوله تعالى:فَإِنَّ رَبَّكُمْ } [النحل: 47] كما أن الجمهور قرءوا بالياء جرياً على أسلوب قوله تعالى: { افأمن الذين مكروا } [النحل: 45] وذكر الخفاجي وغيره أن قراءة التاء على الالتفات أو تقدير قل أو الخطاب فيها عام للخلق و { مَا } موصولة مبهمة، وقوله تعالى: { مِن شَىْء } بيان لها لكن باعتبار صفته وهي قوله تعالى: { يَتَفَيَّأُ ظِلَـٰلُهُ } فهي المبينة في الحقيقة والموصوف توطئة لها وإلا فأي بيان يحصل به نفسه، والتفيؤ تفعل من فاء يفيء فيئاً إذا رجع وفاء لازم وإذا عدي فبالهمزة أو التضعيف كأفاءه الله تعالى وفيأه فتفيأ وتفيأ مطاوع له لازم، وقد استعمله أبو تمام متعدياً في قوله من قصيدة يمدح بها خالد بن يزيد الشيباني:
طلبت ربيع ربيعه الممهى لها   وتفيأت ظلاً له ممدوداً
ويحتاج ذلك إلى نقل من كلام العرب، والظلال جمع ظل وهو في قول ما يكون بالغداة وهو ما لم تنله الشمس والفيء ما يكون بالعشي وهو ما انصرفت عنه الشمس وأنشدوا له قول حميد بن ثور يصف سرحة وكنى بها عن امرأة:
فلا الظل من برد الضحى تستطيعه   ولا الفىء من برد العشي تذوق
ونقل ثعلب عن رؤبة ما كانت عليه الشمس فزالت عنه فهو فيء وظل وما لم تكن عليه فهو ظل فالظل أعم من الفيء، وقيل: هما مترادفان يطلق كل منهما على ما كان قبل الزوال وعلى خلافه، وأنشد أبو زيد/ للنابغة الجعدي:
فسلام الإله يغدو عليهم   وفيوء الفردوس ذات الظلال
والمشهور أن الفيء لا يكون إلا بعد الزوال، ومن هنا قال الأزهري: إن تفيء الظلال رجوعها بعد انتصاف النهار، وقال أبو حيان: إن الاعتبار من أول النهار إلى آخره، وإضافة الظلال إلى ضمير المفرد لأن مرجعه وإن كان مفرداً في اللفظ لكنه كثير في المعنى، ونظير ذلك أكثر من أن يحصى، والمعنى أو لم يروا الأشياء التي ترجع وتتنقل ظلالها.

{ عَنِ ٱلْيَمِينِ وَٱلْشَّمَآئِلِ } والمراد بها الأشياء الكثيفة من الجبال والأشجار وغيرها سواء كان جماداً أو إنساناً على ما عليه بعض المفسرين، وخصها بعضهم بالجمادات التي لا يظهر لظلالها أثر سوى التفيء بواسطة الشمس على ما ستعلمه إن شاء الله تعالى دون ما يشمل الحيوان الذي يتحرك ظله بتحركه، وكلا القولين على تقدير كون { مِنْ } بيانية كما سمعت؛ وذهب بعض المحققين إلى العموم لكنه جعل من ابتدائية متعلقة ـ بخلق ـ والمراد بما خلقه من شيء عالم الأجسام المقابل لعالم الروح والأمر الذي لم يخلق من شيء بل وجد بأمر كن كما قال سبحانه:

السابقالتالي
2 3 4 5 6