الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ فَٱسْأَلُواْ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ }

{ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِى إِلَيْهِمْ } رد لقريش حيث أنكروا رسالة النبـي صلى الله عليه وسلم وقالوا: الله تعالى أعظم أن يكون رسوله بشراً هلا بعث إلينا ملكاً أي جرت السنة الإلهية حسبما اقتضته الحكمة بأن لا نبعث للدعوة العامة إلا بشراً نوحي إليهم بواسطة الملك في الأغلب الأوامر والنواهي ليبلغوها، ويحترز بالدعوة العامة عن بعث الملك للأنبياء عليهم السلام للتبليغ أو لغيرهم كبعثه لمريم للبشارة، وبالأغلب بعض أقسام الوحي مما لم يكن بواسطة الملك كما يشير إليه قوله تعالى:وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلّمَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِىَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء } [الشورى: 51] وقرأ الجمهور { يوحي } بالياء وفتح الحاء وفرقة بالياء وكسرها؛ وعبد الله والسلمي وطلحة وحفص بالنون وكسرها وفي ذلك من تعظيم أمر الوحي ما لا يخفى.

ولما كان المقصود من الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم تنبيه الكفار على مضمونه صرف الخطاب إليهم فقيل: { فَٱسْأَلُواْ أَهْلَ ٱلذّكْرِ } أي أهل الكتاب من اليهود والنصارى قاله ابن عباس والحسن والسدي وغيرهم، وتسمية الكتاب تعلم مما سيأتي إن شاء الله تعالى، وعن مجاهد تخصيصه بالتوراة لقوله تعالى:وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِى ٱلزَّبُورِ مِن بَعْدِ ٱلذّكْرِ } [الأنبياء: 105] فأهله اليهود. قال في «البحر» والمراد من لم يسلم من أهل الكتاب لأنهم الذين لا يتهمون عند أهل مكة في إخبارهم بأن الرسل عليهم السلام كانوا رجالاً فإخبارهم بذلك حجة عليهم، والمراد كسر حجتهم وإلزامهم وإلا فالحق واضح في نفسه لا يحتاج فيه إلى إخبار هؤلاء، وقد أرسل المشركون بعد نزولها إلى أهل يثرب يسألونهم عن ذلك، وقال الأعمش وابن عيينة وابن جبير: المراد من أسلم منهم كعبد الله بن سلام وسلمان الفارسي رضي الله تعالى عنهما وغيرهما. ويضعفه أن قول من أسلم لا حجة فيه على الكفار ومنه يعلم ضعف ما قال أبو جعفر وابن زيد من أن المراد من الذكر القرآن لأن الله تعالى سماه ذكراً في مواضع منها ما سيأتي إن شاء الله تعالى قريباً، وأهل الذكر على هذا المسلمون مطلقاً، وخصهم بعض الإمامية بالأئمة أهل البيت احتجاجاً بما رواه جابر ومحمد بن مسلم منهم عن أبـي جعفر رضي الله تعالى عنه أنه قال: نحن أهل الذكر، وبعضهم فسر الذكر بالنبـي صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى:ذِكْرا *ً رَسُولاً } [الطلاق: 10-11] على قول، ويقال على مقتضى ما في «البحر»: كيف يقنع كفار أهل مكة بخبر أهل البيت في ذلك وليسوا بأصدق من رسول الله صلى الله عليه وسلم عندهم وهو عليه الصلاة والسلام المشهور فيما بينهم بالأمين، ولعل ما رواه ابن مردويه منا موافقاً بظاهره لمن زعمه ذلك البعض من الإمامية عن أنس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

السابقالتالي
2 3