الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي ٱللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً وَلأَجْرُ ٱلآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ }

{ وَٱلَّذِينَ هَـٰجَرُواْ فِى ٱللَّهِ } أي في حقه ـ ففي ـ على ظاهرها ففيه إشارة إلى أنها هجرة متمكنة تمكن الظرف في مظروفه فهي ظرفية مجازية أو لأجل رضاه ـ ففي ـ للتعليل كما في قوله صلى الله عليه وسلم: " إن امرأة دخلت النار في هرة " والمهاجرة في الأصل مصارمة/ الغير ومتاركته واستعملت في الخروج من دار الكفر إلى دار الإيمان أي والذين هجروا أوطانهم وتركوها في الله تعالى وخرجوا { مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ } أي من بعد ظلم الكفار إياهم. أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبـي حاتم عن قتادة قال: هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ظلمهم أهل مكة فخرجوا من ديارهم حتى لحق طوائف منهم بأرض الحبشة ثم بوأهم الله تعالى المدينة بعد ذلك حسبما وعد سبحانه بقوله جل وعلا: { لَنُبَوّئَنَّهُمْ فِى ٱلدُّنْيَا حَسَنَة } أي مباءة حسنة، وحاصله لننزلهم في الدنيا منزلاً حسناً، وعن الحسن داراً حسنة، والتقدير الأول أظهر لدلالة الفعل عليه، والثاني أوفق بقوله تعالى:تبوؤا الدَّارَ } [الحشر: 9]، وأياً ما كان ـ فحسنة ـ صفة محذوف منصوب نصب الظروف، وجوز أن يكون مفعولاً ثانياً لنبؤئنهم على معنى لنعطينهم منزلة حسنة، وفسر ذلك بالغلبة على أهل مكة الذين ظلموهم وعلى العرب قاطبة، وقيل: هي ما بقي لهم في الدنيا من الثناء وما صار لأولادهم من الشرف، وعن مجاهد أن التقدير معيشة حسنة أي رزقاً حسناً، وقيل: التقدير عطية حسنة، والمراد بالعطية المعطى، ويفسر ذلك بكل شيء حسن ناله المهاجرون في الدنيا، وقدر بعضهم تبوئة حسنة فهو صفة مصدر محذوف، وقد تعتبر هذه التبوئة بحيث تشمل إعطاء كل شيء حسن صار للمهاجرين على نحو السابق. وفي «البحر» أن الظاهر أن انتصاب { حَسَنَةً } على المصدر على غير الصدر لأن معنى لنبوئنهم لنحسنن إليهم فحسنة بمعنى إحساناً، وعلى جميع التقادير { ٱلَّذِينَ هَـٰجَرُواْ } مبتدأ وجملة { لَنُبَوّئَنَّهُمْ } خبره. وجوز أبو البقاء أن يكون { ٱلَّذِينَ } منصوب بفعل محذوف يفسره المذكور، والأول متعين عند أبـي حيان قال: وفيه دليل على صحة وقوع الجملة القسمية خبراً للمبتدأ خلافاً لثعلب، والذي ذهب إليه بعض المحققين أن الخبر في مثل ذلك إنما هو جملة الجواب المؤكدة بالقسم وهي إخبارية لا إنشائية، واعترض على أبـي البقاء في الوجه الثاني بأنه لا يجوز النصب بالفعل المحذوف إلا حيث يجوز للمذكور أن يعمل في ذلك المنصوب حتى يصح أن يكون مفسراً وما هنا ليس كذلك فإنه لا يجوز زيداً لأضربن فلا يجوز زيداً لأضربنه، والجار والمجرور متعلق بما عنده، وقيل: بمحذوف وقع حالاً من { حَسَنَةً }.

هذا: ونقل عن ابن عباس أن الآية نزلت في صهيب وبلال وعمار وخباب وعابس وجبير وأبـي جندل بن سهيل أخذهم المشركون فجعلوا يعذبونهم ليردوهم عن الإسلام، فأما صهيب فقال لهم: أنا رجل كبير إن كنت معكم لم أنفعكم وإن كنت عليكم لم أضركم فافتدى منهم بماله وهاجر فلما رآه أبو بكر رضي الله تعالى عنه قال: ربح البيع يا صهيب؛ وقال عمر رضي الله تعالى عنه: نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه، والجمهور على ما روي عن قتادة بل قال ابن عطية: إنه الصحيح، ولم نجد لهذا الخبر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما سنداً يعول عليه.

السابقالتالي
2 3