الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَآ أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ }

{ إِنَّمَا قَوْلُنَا } استئناف لبيان التكوين على الإطلاق ابتداء أو إعادة بعد التنبيه على أنية البعث ومنه يعلم كيفيته ـ فما ـ كافة و { قَوْلُنَا } مبتدأ، وقوله تعالى: { لِشَىْء } متعلق به واللام للتبليغ كما في قولك: قلت لزيد قم فقام، وقال الزجاج: هي لام السبب أي لأجل إيجاد شيء، وتعقب بأنه ليس بواضح والمتبادر من الشيء/ هنا المعدوم وهو أحد إطلاقاته، وقد برهن الشيخ إبراهيم الكوراني عليه الرحمة على أن إطلاق الشيء على المعدوم حقيقة كإطلاقه على الموجود وألف في ذلك رسالة جليلة سماها " جلاء الفهوم " ، ويعلم منها أن القول بذلك الإطلاق ليس خاصاً بالمعتزلة كما هو المشهور، ولهذا أول هنا من لم يقف على التحقيق من الجماعة فقال: إن التعبير عنه بذلك باعتبار وجوده عند تعلق مشيئته تعالى به لا أنه كان شيئاً قبل ذلك. وفي «البحر» نقلاً عن ابن عطية أن في قوله تعالى: { لِشَىْء } وجهين: أحدهما: أنه لما كان وجوده حتماً جاز أن يسمى شيئاً وهو في حال العدم، والثاني: أن ذلك تنبيه على الأمثلة التي ينظر فيها وأن ما كان منها موجوداً كان مراداً وقيل له كن فكان فصار مثالاً لما يتأخر من الأمور بما تقدم، وفي هذا مخلص من تسمية المعدوم شيئاً اهـ، وفيه من الخفاء ما فيه، وأياً ما كان فالتنوين للتنكير أي لشيء أي شيء كان مما عز وهان.

{ إِذَا أَرَدْنَاهُ } ظرف ـ لقولنا ـ أي وقت تعلق إرادتنا بإيجاده { أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ } في تأويل مصدر خبر للمبتدأ، والسلام في { لَهُ } كاللام في { لِشَىْء } { فَيَكُونُ } إما عطف على مقدر يفصح عنه الفاء وينسحب عليه الكلام أي فنقول ذلك فيكون، وإما جواب لشرط محذوف أي فإذا قلنا ذلك فهو يكون، وقيل: إنه بعد تقدير هو تكون الجملة خبراً لمبتدأ محذوف أي ما أردناه فهو يكون، وكان في الموضعين تامة، والذي ذهب إليه أكثر المحققين وذكره مقتصراً عليه شيخ الإسلام أنه ليس هناك قول ولا مقول له ولا أمر ولا مأمور حتى يقال: إنه يلزم أحد المحالين أما خطاب المعدوم أو تحصيل الحاصل؛ أو يقال: { إِنَّمَا } مستدعية انحصار قوله تعالى في قوله تعالى: { كُنْ } وليس يلزم منه انحصار أسباب التكوين فيه كما يفيده قوله سبحانه:إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } [يس: 82] فإن المراد بالأمر الشأن الشامل للقول والفعل ومن ضرورة انحصاره في كلمة كن انحصار أسبابه على الإطلاق في ذلك بل إنما هو تمثيل لسهولة تأتي المقدورات حسب تعلق مشيئته تعالى وتصوير لسرعة حدوثها بما هو علم في ذلك من طاعة المأمور المطيع لأمر الآمر المطاع، فالمعنى إنما إيجادنا لشيء عند تعلق مشيئتنا به أن نوجده في أسرع ما يكون، ولما عبر عنه بالأمر الذي هو قول مخصوص وجب أن يعبر عن مطلق الإيجاد بالقول المطلق.

السابقالتالي
2 3