الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلاۤ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ كَذٰلِكَ فَعَلَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى ٱلرُّسُلِ إِلاَّ ٱلْبَلاغُ ٱلْمُبِينُ }

{ وَقَالَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَآء ٱللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَىْء } فهو من تتمة قوله سبحانه:هَلْ يَنظُرُونَ } [النحل: 33] ألا ترى كيف ختم بنحوه آخر مجادلاتهم في سورة الأنعام [148] في قوله سبحانه:سَيَقُولُ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ } وكذلك في سورة الزخرف ولا تراهم يتشبثون بالمشيئة إلا عند انخزال الحجةوَقَالُواْ لَوْ شَاء رَبُّنَا لأَنزَلَ مَلَـٰئِكَةً } [فصلت: 14] ويكفي في الانقلاب ما يشير إليه قوله سبحانه:قُلْ فَلِلَّهِ ٱلْحُجَّةُ ٱلْبَـٰلِغَةُ } [الأنعام: 149] وفي " إرشاد العقل السليم " أن هذه الآية بيان لفن آخر من كفر أهل مكة فهم المراد بالموصول، والعدول عن الضمير إليه لتقريعهم بما في حيز الصلة وذمهم بذلك من أول الأمر، والمعنى لو شاء الله تعالى عدم عبادتنا لشيء غيره سبحانه كما تقول ما عبدنا ذلك { نَّحْنُ وَلا ءابَاؤُنَا } الذين نهتدي بهم في ديننا { وَلاَ حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَىْء } من السوائب والبحائر وغيرها ـ فمن ـ الأولى بيانية والثانية زائدة لتأكيد الاستغراق وكذا الثالثة { وَنَحْنُ } لتأكيد ضمير { عَبَدْنَا } لا لتصحيح العطف لوجود الفاصل وإن كان محسناً له، وتقدير مفعول { شَاء } عدم العبادة مما صرح به بعضهم، وكان الظاهر أن يضم إليه عدم التحريم. واعترض تقدير ذلك بأن العدم لا يحتاج إلى المشيئة كما ينبىء عنه قوله صلى الله عليه وسلم: " ما شاء الله تعالى كان وما لم يشأ لم يكن " حيث لم يقل عليه الصلاة والسلام ما شاء الله تعالى كان وما شاء عدم كونه لم يكن بل يكفي فيه عدم مشيئة الوجود، وهو معنى قولهم: علة العدم عدم علة الوجود، فالأولى أن يقدر المفعول وجودياً كالتوحيد والتحليل وكامتثال ما جئت به والأمر في ذلك سهل. وفي تخصيص الإشراك والتحريم بالنفي لأنهما أعظم وأشهر ما هم عليه، وغرضهم من ذلك كما قال بعض المحققين تكذيب الرسول عليه الصلاة والسلام والطعن في الرسالة رأساً، فإن حاصله أن ما شاء الله تعالى يجب وما لم يشأ يمتنع فلو أنه سبحانه شاء أن نوحده ولا نشرك به شيئاً ونحلل ما أحله ولا نحرم شيئاً مما حرمنا كما تقول الرسل/ وينقلونه من جهته تعالى لكان الأمر كما شاء من التوحيد ونفي الإشراك وتحليل ما أحله وعدم تحريم شيء من ذلك وحيث لم يكن كذلك ثبت أنه لم يشأ شيئاً من ذلك بل شاء ما نحن عليه وتحقق أن ما تقوله الرسل عليهم السلام من تلقاء أنفسهم ورد الله تعالى عليهم بقوله سبحانه عز وجل: { كَذٰلِكَ } أي مثل ذلك الفعل الشنيع { فَعَلَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } من الأمم أي أشركوا بالله تعالى وحرموا من دونه ما حرموا وجادلوا رسلهم بالباطل ليدحضوا به الحق.

السابقالتالي
2 3