الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُواْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ }

{ فَأَصَابَهُمْ سَيّئَاتُ مَا عَمِلُواْ } أي أجزية أعمالهم السيئة على طريقة إطلاق اسم السبب على المسبب إيذاناً بفظاعته، وقيل: الكلام على حذف المضاف. وتعقب بأنه يوهم أن لهم أعمالاً غير سيئة والتزم ومثل ذلك بنحو صلة الأرحام، ولا يخفى أن المعنى ليس على التخصيص، والداعي إلى ارتكاب أحد الأمرين أن الكلام بظاهره يدل على أن ما أصابهم سيئة، وليس بها. وقد يستغنى عن ارتكاب ذلك لما ذكر بأن ما يدل عليه الظاهر من باب المشاكلة كما في قوله تعالى:وَجَزَاءُ سَيّئَةٍ سَيّئَةٌ مّثْلُهَا } [الشورى: 40] كما في " الكشاف ".

{ وَحَاقَ بِهِم } أي أحاط بهم، وأصل معنى الحيق الإحاطة مطلقاً ثم خص في الاستعمال بإحاطة الشر، فلا يقال: أحاطت به النعمة بل النقمة وهذا أبلغ وأفظع من أصابهم { مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ } أي من العذاب كما قيل على أن { ما } موصولة عبارة عن العذاب، وليس في الكلام حذف ولا ارتكاب مجاز على/ نحو ما مر آنفاً، وقيل: { مَا } مصدرية وضمير { بِهِ } للرسول عليه الصلاة والسلام وإن لم يذكر، والمراد أحاط بهم جزاء استهزائهم بالرسول صلى الله عليه وسلم أو موصولة عامة للرسول عليه الصلاة والسلام وغيره وضمير { بِهِ } عائد عليها والمعنى على الجزاء أيضاً، ولا يخفى ما فيه، وأياً ما كان { فبه } متعلق ـ بيستهزؤون ـ قدم للفاصلة.

هذا ثم إن قوله تعالى:هَلْ يَنظُرُونَ } [النحل: 33] الخ على ما في " الكشف " رجوع إلى عد ما هم فيه من العناد والاستشراء في الفساد وأنهم لا يقلعون عن ذلك كأسلافهم الغابرين إلى يوم التناد، وما وقع من أحوال اضدادهم في البين كان لزيادة التحسير والتبكيت والتخسير، وفيه دلالة على أن الحجة قد تمت وأنه صلى الله عليه وسلم أدى ما عليه من البلاغ المبين، وقوله تعالى: { فَأَصَابَهُمْ } عطف علىفَعَلَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } [النحل: 33] مترتب إذ المعنى كذلك التكذيب والشرك فعل أسلافهم وأصابهم ما أصابهم، وفيه تحذير مما فعله هؤلاء وتذكير لقوله سبحانه:قَدْ مَكَرَ ٱلَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ } [النحل: 26] ولا يخفى حسن الترتب على ذلك لأن التكذيب والشرك تسببا لإصابة السيئات لمن قبلهم، وقوله سبحانه:وَمَا ظَلَمَـهُمُ ٱللَّهُ } [النحل: 33] اعتراض واقع حاق موقعه، وجعل ذلك راجعاً إلى المفهوم من قوله تعالى:هَلْ يَنظُرُونَ } [النحل: 33] أي كذلك كان من قبلهم مكذبين لزمتهم الحجة منتظرين فاصابهم ما كانوا منتظرين سديد حسن إلا أن معتمد الكلام الأول وهو أقرب مأخذاً، ودلالة { فَعَلَ } عليه أظهر، فهذه فذلكة ضمنت محصل ما قابلوا به تلك النعم والبصائر وأدمج فيها تسليته صلى الله عليه وسلم والبشرى بقلب الدائرة على من تربص به وبأصحابه عليه الصلاة والسلام الدوائر وختمت بما يدل على أنهم انقطعوا فاحتجوا بآخر ما يحتج به المحجوج يتقلب عليه فلا يبصر إلا وهو مثلوج مشجوج وهو ما تضمنه قوله تعالى: { وَقَالَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَآء ٱللَّهُ... }.