الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ فَٱدْخُلُوۤاْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى ٱلْمُتَكَبِّرِينَ }

{ فَٱدْخُلُواْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ } خطاب لكل صنف منهم أن يدخل باباً من أبواب جهنم، والمراد بها إما المنفذ أو الطبقة، ولا يجوز أن يكون خطاباً لكل فرد لئلا يلزم دخول الفرد من الكفار من أبواب متعددة أو يكون لجهنم أبواب بعدد الأفراد، وجوز أن يراد/ بالأبواب أصناف العذاب، فقد جاء إطلاق الباب على الصنف كما يقال: فلان ينظر في باب من العلم أي صنف منه وحينئذ لا مانع في كون الخطاب لكل فرد، وأبعد من قال: المراد بتلك الأبواب قبور الكفرة المملوأة عذاباً مستدلاً بما جاء " القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار " { خَـٰلِدِينَ فِيهَا } حال مقدرة إن أريد بالدخول حدوثه، ومقارنة إن أريد به مطلق الكون، وضمير { فِيهَا } قيل: للأبواب بمعنى الطبقات، وقيل: لجهنم، والتزم هذا وكون الحال مقدرة من أبعد، وحمل الخلود على المكث الطويل للاستغناء عن هذا الالتزام وإن كان واقعاً في كلامهم خلاف المعهود في القرآن الكريم.

{ فَلَبِئْسَ مَثْوَى ٱلْمُتَكَبّرِينَ } أي عن التوحيد، وذكرهم بعنوان التكبر للإشعار بعليته لثوائهم فيها، وقد وصف سبحانه الكفار فيما تقدم بالاستكبار وهنا بالتكبر، وذكر الراغب أنهما والكبر تتقارب فالكبر الحالة التي يتخصص بها الإنسان من إعجابه بنفسه، والاستكبار على وجهين: أحدهما أن يتحرى الإنسان ويطلب أن يصير كبيراً، وذلك متى كان على ما يحب وفي المكان الذي يحب وفي الوقت الذي يحب وهو محمود. والثاني أن يتشبع فيظهر من نفسه ما ليس له وهو مذموم، والتكبر على وجهين أيضاً. الأول أن تكون الأفعال الحسنة كثيرة في الحقيقة وزائدة على محاسن غيره، وعلى هذا وصف الله تعالى بالمتكبر. والثاني أن يكون متكلفاً لذلك متشبعاً وذلك في وصف عامة الناس، والتكبر على الوجه الأول محمود وعلى الثاني مذموم، والمخصوص بالذم محذوف أي جهنم أو أبوابها أن فسرت بالطبقات؛ والفاء عاطفة، واللام جيء بها للتأكيد اعتناء بالذم لما أن القوم ضالون مضلون كما ينبىء عنه قوله تعالى:لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ ٱلَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ } [النحل: 25] وللتأكيد اعتناء بالمدح جيء باللام أيضاً فيما بعد من قوله سبحانه:وَلَدَارُ ٱلآَخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ ٱلْمُتَّقِينَ } [النحل: 30] لأن أولئك القوم على ضد هؤلاء هادون مهديون، وكأنه لعدم هذا المقتضي في آيتي الزمر والمؤمن لم يؤت باللام، وقيل:فَبِئْسَ مَثْوَى ٱلْمُتَكَـبِّرِينَ } [الزمر: 72] وقيل: التأكيد متوجه لما يفهم من الجملة من أن جهنم مثواهم، وحيث إنه لم يفهم من الآيات قبل هنا فهمه منها قبل آيتي تينك السورتين جيء بالتأكيد هناك ولم يجىء به هنا اكتفاء بما هو كالصريح في إفادة أنها مثواهم مما ستسمعه إن شاء الله تعالى هناك.