الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَ جَرَمَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْتَكْبِرِينَ }

{ لاَ جَرَمَ } أي حق أو حقاً { أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ } من الإنكار { وَمَا يُعْلِنُونَ } من الاستكبار، وقال يحيـى بن سلام والنقاش: المراد هنا بما يسرون تشاورهم في دار الندوة في قتل النبـي عليه الصلاة والسلام، وهو كما ترى، وأياً ما كان فالمراد من العلم بذلك/ الوعيد بالجزاء عليه، و { أن } وما بعدها في تأويل مصدر مرفوع ـ بلا جرم ـ بناءً على ما ذهب إليه الخليل وسيبويه والجمهور من أنها اسم مركب مع لا تركيب خمسة عشر وبعد التركيب صار معناها معنى فعل وهو حق فهي مؤولة بفعل. وأبو البقاء يؤولها بمصدر قائم مقامه وهو حقاً، وقيل: مرفوع ـ بجرم ـ نفسها على أنها فعل ماض بمعنى ثبت ووجب و { لا } نافية لكلام مقدر تكلم به الكفرة كقوله سبحانه:لاَ أُقْسِمُ } [البلد: 1] على وجه. وذهب الزجاج إلى أنه منصوب على المفعولية ـ لجرم ـ على أنها فعل أيضاً لكن بمعنى كسب وفاعلها مستتر يعود إلى ما فهم من السياق ولا كما في القول السابق، وقيل: إنه خبر { لا } حذف منه حرف الجر و { جَرَمَ } اسمها، والمعنى لا صدأ ولا منع في أن الله يعلم الخ، وقد مر تمام الكلام في ذلك. وقرأ عيسى الثقفي { إن } بكسر الهمزة على الاستئناف والقطع مما قبله على ما قال أبو حيان، ونقل عن بعضهم أنه قد يغني { لاَ جَرَمَ } عن القسم تقول: لا جرم لآتينك وحينئذٍ فتكون الجملة جواب القسم.

{ إِنَّهُ } جل جلاله { لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْتَكْبِرِينَ } أي مطلقاً ويدخل فيه من استكبر عن التوحيد أو عن الآيات الدالة عليه دخولاً أولياً، وجوز أن يراد به أولئك المستكبرون والأول أولى، وأياً ما كان فالاستفعال ليس للطلب مثله فيما تقدم، وجوز كونه عاماً مع حمل الاستفعال على ظاهره من الطلب أي لا يحب من طلب الكبر فضلاً عمن اتصف به، وقد فرق الراغب بين الكبر والتكبر والاستكبار بعد القول بأنها متقاربة، والحق أنه قد يستعمل بعضها موضع بعض، وسيأتي إن شاء الله تعالى ذكر ذلك آنفاً وأظنه قد تقدم أيضاً؛ والجملة تعليل لما تضمنه الكلام السابق من الوعيد، والمراد من نفي الحب البغض وهو عند البعض مؤول بنحو الانتقام والتعذيب، والأخبار الناطقة بسوء حال المتكبر يوم القيامة كثيرة جداً.