الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ يُنَزِّلُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ بِٱلْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوۤاْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنَاْ فَٱتَّقُونِ }

{ يُنَزّلُ ٱلْمَلَـٰئِكَةَ } قيل هو إشارة إلى طريق علم الرسول صلى الله عليه وسلم بإتيان ما أوعد به وباقترابه إزاحة لاستبعاد اختصاصه عليه الصلاة والسلام بذلك، وقال في «الكشف»: التحقيق أن قوله سبحانهأَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ } [النحل: 1] تنبيه وإيقاظ ليكون ما يرد بعده ممكناً في نفس حاضرة ملقية إليه وهو تمهيد لما يرد من دلائل التوحيد وقوله تعالى: { يُنَزّلُ ٱلْمَلَـٰئِكَةَ } الخ تفصيل لما أجمل في قوله سبحانه وتعالى أيقظ أولاً ثم نعى عليهم ما هم فيه من الشرك ثم أردفه بدلائل السمع والعقل، وقدم السمعي لأن صاحبه هو القائم بتحرير العقلي وتهذيبه أيضاً فليس النظر إلى دليل السمع بل إلى من قام به من الملائكة والرسل عليهم السلام وهم القائمون بالأمرين جميعاً فافهم. وأخذ سيبويه منه أن جعل { يُنَزّلٍ } حالاً من ضميريُشْرِكُونَ } [النحل: 1] لا يطابق المقام البتة انتهى. وما ذكره من أمر الحالية إشارة إلى الاعتراض على شيخه العلامة الطيبـي حيث جعل ذلك أحد احتمالين في/ الجملة، ثانيهما: كونها مستأنفة وهو الظاهر، وما أشار إليه من وجه الربط وادعى أنه التحقيق لا يخلو عما هو خلاف المتبادر، والتعبير بصيغه الاستقبال للإشارة إلى أن التنزيل عادة مستمرة له تعالى، والمراد بالملائكة عند الجمهور جبريل عليه السلام ويسمى الواحد بالجمع ـ كما قال الواحدي ـ إذا كان رئيساً، وعند بعض هو عليه السلام ومن معه من حفظة الوحي. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو { ينزل } مخففاً من الإنزال، وزيد بن علي رضي الله تعالى عنهما والأعمش وأبو بكر { ينزل } مشدداً مبنياً للمفعول والملائكة بالرفع على أنه نائب الفاعل والجحدري كذلك إلا أنه خفف، وأبو العالية والأعرج والمفضل عن عاصم { تنزل } بتاء فوقية مفتوحة وتشديد الزاي مبنياً للفاعل وقد حذف منه أحد التاءين وأصله تتنزل، وابن أبـي عبلة { ننزل } بنون العظمة والتشديد، وقتادة بالنون والتخفيف، وفي هاتين القراءتين كما في " البحر " التفات.

{ بِٱلْرُّوحِ } أي الوحي كما أخرجه ابن جرير وابن أبـي حاتم عن ابن عباس ويدخل في ذلك القرآن، وروي عن الضحاك والربيع بن أنس الاقتصار عليه، وأياً ما كان فإطلاق الروح على ذلك بطريق الاستعارة المصرحة المحققة، ووجه الشبه أن الوحي يحيـى القلوب الميتة بداء الجهل والضلال أو أنه يكون به قوام الدين كما أن بالروح يكون قوام البدن، ويلزم ذلك استعارة مكنية وتخييلية وهي تشبيه الجهل والضلال بالموت وضد ذلك بالحياة أو تشبيه الدين بإنسان ذي جسد وروح، وهذا كما إذا قلت: رأيت بحراً يغترف الناس به وشمساً يستغيثون بها فإنه يتضمن تشبيه علم الممدوح بالماء العظيم والنور الساطع لكنه جاء من عرض فليس ـ كأظفار المنية ـ وليس غير كونه استعارة مصرحة، وجعل ذلك في " الكشف " من قبيل الاستعارة بالكناية وليس بذاك، والباء متعلقة بالفعل السابق أو بما هو حال من مفعوله أي ينزل الملائكة ملتبسين بالروح.

السابقالتالي
2 3 4 5