الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّٱلَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ }

{ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ } تعليل لما سبق من الأمر والنهي، والمراد بالمعية الولاية الدائمة التي لا يحوم حول صاحبها شيء من الجزع والحزن وضيق الصدر وما يشعر به دخول كلمة { مَعَ } من متبوعية المتقين من حيث أنهم المباشرون للتقوى، والمراد بها هنا أعلى مراتبها أعني التنزه عن كل ما يشغل السر عن الحق سبحانه والتبتل إليه تعالى بالكلية لأن ذلك هو المورث لولايته عز وجل المقرونة ببشارةأَلا إِنَّ أَوْلِيَاء ٱللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } [يونس: 62] والمعنى أن الله تعالى ولي الذين تبتلوا إليه سبحانه بالكلية وتنزهوا عن كل ما يشغل سرهم عنه عز وجل فلم يخطر ببالهم شيء من مطلوب أو محذور فضلاً عن الحزن عليه فواتاً أو وقوعاً وهو المعني بما به الصبر المأمور به على أول الاحتمالات السالفة وبذلك يحصل التقريب ويتم التعليل وإلا فمجرد التوقي عن المعاصي لا يكون مداراً لشيء من العزائم المرخص في تركها فكيف بالصبر المشار إليه ورديفيه وإنما مداره المعنى المذكور فكأنه قيل: إن الله مع الذين صبروا، وإنما أوثر عليه ما في النظم الكريم مبالغة في الحث على الصبر بالتنبيه على أنه من خصائص أجل النعوت الجليلة وروادفه كما أن قوله تعالى: { وَّٱلَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ } للإشعار بأنه من باب الإحسان الذي فيه يتنافس المتنافسون على ما يؤذن بذلك قوله تعالى:وَٱصْبِرْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ المحسنين } [هود: 115] وقد نبه سبحانه على أن كلاً من الصبر والتقوى من قبيل الإحسان بقوله تعالى:إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ المحسنين } [يوسف: 90] وحقيقة الإحسان الإتيان بالأعمال على الوجه اللائق، وقد فسره صلى الله عليه وسلم بأن تعبد الله تعالى كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، وتكرير الموصول للإيذان بكفاية كل من الصلتين في ولايته سبحانه من غير أن تكون احداهما تتمة للأخرى، وإيراد الأول فعلية للدلالة على الحدوث كما أن إيراد الثانية اسمية لإفادة كون مضمونها شيمة راسخة لهم، وتقديم التقوى على الإحسان لما أن التخلية مقدمة على التحلية، والمراد بالموصولين إما جنس المتقين والمحسنين ويدخل عليه الصلاة والسلام في زمرتهم دخولاً أولياً وإما هو صلى الله عليه وسلم وأشياعه رضي الله تعالى عنهم وعبر بذلك عنهم مدحاً لهم وثناء عليهم بالنعتين الجميلين، وفيه رمز إلى أن صنيعه عليه الصلاة والسلام مستتبع لاقتداء الأمة به كقول من قال لابن عباس رضي الله تعالى عنهما عند التعزية:
/ اصبر نكن بك صابرين وإنما   صبر الرعية عند صبر الرأس
قال كل ذلك في " إرشاد العقل السليم " ، وإلى كون الجملة في موضع التعليل لما سبق ذهب العلامة الطيبـي حيث قال: إنه تعالى لما أمر حبيبه بالصبر على أذى المخالفين ونهاه عن الحزن على عنادهم وإِبائهم الحق وعما يلحقه من مكرهم وخداعهم علل ذلك بقوله سبحانه: { إِنَّ ٱللَّهَ } الخ أي لا تبال بهم وبمكرهم لأن الله تعالى وليك ومحبك وناصرك ومبغضهم وخاذلهم، وعمم الحكم إِرشاداً للاقتداء به عليه الصلاة والسلام، وفيه تعريض بالمخالفين وبخذلانهم كما صرح به في قوله تعالى:

السابقالتالي
2 3 4 5