الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ }

{ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ } أي إن أردتم المعاقبة { فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ } أي مثل ما فعل بكم وقد عبر عنه بالعقاب على طريقة إطلاق اسم المسبب على السبب نحو كما تدين تدان على نهج المشاكلة، وقال الخفاجي: إن العقاب في العرف مطلق العذاب ولو ابتداء وفي أصل اللغة المجازاة على عذاب سابق فإن اعتبر الثاني فهو مشاكلة وإن اعتبر الأول فلا مشاكلة، وعلى الاعتبارين صيغة المفاعلة ليست للمشاركة، والآية نزلت في شأن التمثيل بحمزة رضي الله تعالى عنه يوم أحد، فقد صح عن أبـي هريرة أن النبـي صلى الله عليه وسلم وقف على حمزة يوم استشهد فنظر إلى منظر لم ينظر إلى شيء قط كان أوجع لقلبه منه ونظر إليه قد مثل به فقال: ((رحمة الله تعالى عليك فإنك كنت ما علمت وصولاً للرحم فعولاً للخيرات ولولا حزن من بعدك عليك لسرني أن أتركك حتى يحشرك الله تعالى من أرواح شتى أما والله لأمثلن بسبعين منهم مكانك)) فنزل جبريل عليه السلام والنبـي صلى الله عليه وسلم واقف بخواتيم النحل { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ } إلى آخرها فكفَّر عليه الصلاة والسلام عن يمينه وأمسك عن الذي أراد وصبر، فهي على هذا مدنية. وذهب النحاس إلى أنها مكية وليست في شأن التمثيل بحمزة رضي الله تعالى عنه واختاره بعضهم لما يلزم على ذلك من عدم الارتباط المنزه عنه كلام رب العزة جل شأنه إذ لا مناسبة لتلك القضية لما قبل، وأما على القول بأنها مكية فوجه الارتباط أنه لما أمر سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم بالدعوة وبين طريقها أشار إليه عليه الصلاة والسلام وإلى من يتابعه بمراعاة العدل مع من يناصبهم والمماثلة فإن الدعوة لا تكاد تنفك عن ذلك كيف لا وهي موجبة لصرف الوجوه عن القبل المعبودة وإدخال الأعناق في قلادة غير معهودة قاضية عليها بفساد ما يأتون وما يذرون وبطلان دين استمرت عليه آباؤهم الأولون وقد ضاقت بهم الحيل وعيت بهم العلل وسدت عليهم طرق المحاجة والمناظرة وأرتجت دونهم أبواب المباحثة والمحاورة وترددت في صدورهم الأنفاس ووقعوا في حيص بيص يضربون أخماساً في أسداس لا يجدون إلا الأسنة مركباً ويختارون الموت الأحمر دون دين الإسلام مذهباً، وإلى الأول ذهب جمهور المفسرين ووقع ذلك في " صحيح البخاري " بل قال القرطبـي: إنه مما أطبق عليه المفسرون، وما ذكر من لزوم عدم الارتباط عليه ليس بشيء، فإن التنبيه على تلك القضية للإشارة إلى أن الدعوة لا تخلو من مثل ذلك وأن المجادلة تنجر إلى المجالدة فإذا وقعت فاللائق ما ذكر فلا فرق في الارتباط بحسب المآل بين أن تكون/ مكية وأن تكون مدنية، وخصوص السبب لا ينافي عموم المعنى، فالمعوّل عليه عدم العدول عما قاله الجمهور.

السابقالتالي
2