الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ مَن كَفَرَ بِٱللَّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِٱلإِيمَانِ وَلَـٰكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ }

{ مَن كَفَرَ بِٱللَّهِ } أي بكلمة الكفر { مِن بَعْدِ إيمَـٰنِهِ } به تعالى. وهذا بحسب الظاهر ابتداء كلام لبيان حال من كفر بآيات الله تعالى بعدما آمن بها بعد بيان حال من لم يؤمن بها رأساً و { مِنْ } موصولة محلها الرفع على الابتداء والخبر محذوف لدلالة { فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ } الآتي عليه وحذف مثل ذلك كثير في الكلام، وجوز أيضاً الرفع وكذا النصب على القطع لقصد الذم أي هم أو أذم من كفر والقطع للذم والمدح وإن تعورف في النعت، و { مِنْ } لا يوصف بها لكن لا مانع من اعتباره في غيره كالبدل وقد نص عليه سيبويه. نعم قال أبو حيان: إن النصب على الذم بعيد. وأجاز الحوفي والزمخشري كونها بدلاً منٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَـٰتِ ٱللَّهِ } [النحل: 104] وقوله تعالى:وَأُوْلـٰئِكَ هُمُ ٱلْكَاذِبُونَ } [النحل: 105] اعتراض بينهما. واعترضه أبو حيان/ وغيره بأنه يقتضي أن لا يفتري الكذب إلا من كفر بعد إيمانه والوجود يقتضي أن من يفتري الكذب هو الذي لا يؤمن مطلقاً وهم أكثر المفترين. وأيضاً البدل هو المقصود والآية سيقت للرد على قريش وهم كفار أصليون. ووجه ذلك الطيبـي بأن يراد بقوله تعالى: { مِن بَعْدِ إيمَـٰنِهِ } من بعد تمكنه منه كقوله تعالى:أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلضَّلَـٰلَةَ بِٱلْهُدَىٰ } [البقرة: 16] وذكر أن فيه ترشيحاً لطريق الاستدراج وتحسيراً لهم على ما فاتهم من التصديق وما اقترفوه من نسبته عليه الصلاة والسلام إلى الافتراء.

وفيه كما في «الكشف» أن قوله سبحانه: { إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ } لا يساعد عليه، وحمل التمكن منه على ما هو أعم من التمكن في إحداثه وبقائه لا يخفى ما فيه. وقال المدقق: الأولى في التوجيه أن يجعل المعنى من وجد الكفر فيما بينهم تعييراً على الارتداد أيضاً وأن من وجد فيهم هذه الخصلة لا يبعد منهم الافتراء ويجعل ذلك ذريعة إلى أن ينعى عليهم ما كانوا يفعلونه مع المؤمنين من المثلة ويدمج فيه الرخصة بإجراء كلمة الكفر على اللسان على سبيل الإكراه وتفاوت ما بين صاحب العزيمة والرخصة، ولا يخفى ما فيه أيضاً وأنه غير ملائم لسبب النزول، وقال الخفاجي: لك أن تقول الأقرب أن يبقى الكلام على ظاهره من غير تكلف وأن هذا تكذيب لهم على أبلغ وجه كما يقال لمن قال: إن الشمس غير طالعة في يوم صاح هذا ليس بكذب لأن الكذب يصدر فيما قد تقبله العقول ويكون هذا على تقدير أن يكون المراد في { لاَ يَهْدِيهِمُ ٱللَّهُ } لا يهديهم إلى الحق فالله تعالى لما لم يهدهم إلى الحق والصدق وختم على حواسهم نزلوا منزلة من لم يعرفه حتى يساعده لسانه على النطق به فقبح إنكارهم له أجل من أن يسمى كذباً وإنما يكذب من تعمد ذلك ونطق به مرة، فتكون الآية الأولى للرد على قريش صريحاً والأخرى دلالة على أبلغ وجه انتهى، ولعمري إنه نهاية في التكلف، ومثل هذا الإبدال الإبدال من

السابقالتالي
2 3 4