الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ ٱلَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ }

{ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ } غير ما نقل عنهم من المقالة الشنعاء { إِنَّمَا يُعَلّمُهُ } أي يعلم النبـي صلى الله عليه وسلم القرآن، وهو الذي يقتضيه ظاهر كلام قتادة ومجاهد وغيرهما واختير كون الضمير للقرآن ليوافق ضميرنزَلَهُ } [النحل: 102] أي يقولون إنما يعلم القرآن النبـي عليه الصلاة والسلام { بَشَرٌ } على طريق البت مع ظهور أنه نزَّله روح القدس عليه عليه الصلاة والسلام، وتأكيد الجملة لتحقيق ما تتضمنه من الوعيد، وصيغة الاستقبال لإفادة استمرار العلم/ بحسب الاستمرار التجددي في متعلقه فإنهم مستمرون على التفوه بتلك العظيمة، وفي " البحر " أن المعنى على المضي فالمراد علمنا وعنوا بهذا البشر قيل: جبرا الرومي غلام عامر بن الحضرمي وكان قد قرأ التوراة والإنجيل وكان صلى الله عليه وسلم يجلس إليه إذا آذاه أهل مكة فقالوا ما قالوا. وروي ذلك عن السدي، وقيل: مولى لحويطب بن عبد العزى اسمه عائش أو يعيش كان يقرأ الكتب وقد أسلم وحسن إسلامه قاله الفراء والزجاج، وقيل: أبا فكيهة مولى لامرأة بمكة قيل اسمه يسار وكان يهودياً قاله مقاتل وابن جبير إلا أنه لم يقل كان يهودياً. وأخرج آدم بن أبـي إياس والبيهقي وجماعة عن عبد الله بن مسلم الحضرمي قال: كان لنا عبدان نصرانيان من أهل عين التمر يقال لأحدهما يسار وللآخر جبر وكانا يصنعان السيوف بمكة وكانا يقرءان الإنجيل فربما مر بهما النبـي صلى الله عليه وسلم وهما يقرءان فيقف ويستمع فقال المشركون: إنما يتعلم منهما، وفي بعض الروايات أنه قيل لأحدهما أنك تعلِّم محمداً صلى الله عليه وسلم فقال لا بل هو يعلمني، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: كان بمكة غلام أعجمي رومي لبعض قريش يقال: له بلعام وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمه الإسلام فقالت قريش: هذا يعلم محمداً عليه الصلاة والسلام من جهة الأعاجم؛ وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن الضحاك أنه سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه، وضعف هذا بأن الآية مكية وسلمان أسلم بالمدينة، وكونها إخباراً بأمر مغيب لا يناسب السباق، ورواية أنه أسلم بمكة واشتراه أبو بكر رضي الله تعالى عنه وأعتقه بها قيل ضعيفة لا يعول عليها كاحتمال أن هذه الآية مدنية. وقد أخبرني من أثق به عن بعض النصارى أنه قال له: كان نبيكم صلى الله عليه وسلم يتردد إليه في غار حراء رجلان نصراني ويهودي يعلمانه، ولم أجد هذا عن أحد من المشركين وهو كذب بحت لا منشأ له وبهت محض لا شبهة فيه، وإنما لم يصرح باسم من زعموا أنه يعلمه عليه الصلاة والسلام مع أنه أدخل في ظهور كذبهم للإيذان بأن مدار خطئهم ليس بنسبته صلى الله عليه وسلم إلى التعلم من شخص معين بل من البشر كائناً من كان مع كونه عليه الصلاة والسلام معدناً لعلوم الأولين والآخرين.

السابقالتالي
2 3