الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّ ٱلسَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَٱصْفَحِ ٱلصَّفْحَ ٱلْجَمِيلَ }

{ وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِٱلْحَقّ } أي إلا خلقاً متلبساً بالحق والحكمة بحيث لا يلائم استمرار الفساد واستقرار الشرور، وقد اقتضت الحكمة إهلاك أمثال هؤلاء دفعاً لفسادهم وإرشاداً لمن بقي إلى الصلاح { وَإِنَّ ٱلسَّاعَةَ لآتِيَةٌ } ولا بد فننتقم أيضاً من أمثال هؤلاء، فالجملة الأولى إشارة إلى عذابهم الدنيوي والثانية إلى عقابهم الأخروي، وفي كلتا الجملتين من تسليته صلى الله عليه وسلم ما لا يخفى مع تضمن الأولى الإشارة إلى وجه إهلاك أولئك بأنه أمر اقتضته الحكمة، وفي " التفسير الكبير " في وجه النظم أنه تعالى لما ذكر إهلاك الكفار فكأنه قيل: كيف يليق ذلك بالرحيم؟ فأجاب سبحانه بأنه إنما خلقت الخلق ليكونوا مشتغلين بالعبادة والطاعة فإذا تركوها وأعرضوا عنها وجب في الحكمة إهلاكهم وتطهير الأرض. وتعقبه المفسر بأنه إنما يستقيم على قول المعتزلة، ثم ذكر وجهاً آخر لذلك وهو أن المقصود من هذه القصة تصبير النبـي صلى الله عليه وسلم على سفاهة قومه فإنه عليه الصلاة والسلام إذا سمع أن الأمم السالفة كانوا يعاملون أنبياءهم عليهم السلام بمثل هذه المعاملات الفاسدة هان عليه عليه الصلاة والسلام تحمل سفاهة قومه، ثم إنه تعالى لما بين انزال العذاب على الأمم السالفة المكذبة قال له صلى الله عليه وسلم إن الساعة لآتية وإن الله تعالى ينتقم لك فيها من أعدائك ويجازيك وإياهم على حسناتك وسيآتهم فإنه سبحانه ما خلق السمٰوات والأرض وما بنيهما إلا بالعدل والإنصاف فكيف يليق بحكمته إهمال أمرك، وإلى جواز تفسير الحق بالعدل ذهب شيخ الإسلام وأشار إلى أن الباء للسببية وأن المعنى ما خلقنا ذلك إلا بسبب العدل والإنصاف يوم الجزاء على الأعمال، وذكر أنه ينبىء عن ذلك الجملة الثانية؛ ولعل جعل كل جملة إشارة إلى شيء حسبما أشرنا إليه أولى. واستدل بالأولى بعض الأشاعرة على أن أفعال العباد مطلقاً مخلوقة له تعالى لدخولها فيما بينهما، وزعم بعض المعتزلة الرد بها على القائلين بذلك لأن المعاصي من الأفعال باطلة فإذا كانت مخلوقة له سبحانه لكانت مخلوقة بالحق والباطل لا يكون مخلوقاً بالحق، وهو كلام خال عن التحقيق.

{ فَٱصْفَحِ } أي أعرض عن الكفرة المكذبين { ٱلصَّفْحَ ٱلْجَمِيلَ } وهو ما خلا عن عتاب على ما روى غير واحد عن علي كرم الله تعالى وجهه وابن عباس رضي الله تعالى عنهما وفسر الراغب الصفح نفسه بترك التثريب وذكر أنه أبلغ من العفو وفي أمره صلى الله عليه وسلم بذلك إشارة إلى أنه عليه الصلاة والسلام قادر على الانتقام منهم فكأنه قيل: أعرض عنهم وتحمل أذيتهم ولا تعجل بالانتقام منهم وعاملهم معاملة الصفوح الحليم، وحاصل ذلك أمره صلى الله عليه وسلم بمخالفتهم بخلق رضى وحلم وتأن بأن ينذرهم ويدعوهم إلى الله تعالى قبل القتال ثم يقاتلهم، وعلى هذا فالآية غير منسوخة، وعن ابن عباس وقتادة ومجاهد والضحاك أنها منسوخة بآية السيف، وكأنهم ذهبوا إلى أن المراد بها مداراتهم وترك قتالهم، وآثر هذا الأخير العلامة الطيبـي قال: ليكون خاتمة القصص جامعة للتسلي والأمر بالمداراة وتخلصاً إلى مشرع آخر وهو قوله تعالى الآتي:

السابقالتالي
2