الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَرْسَلْنَا ٱلرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَآ أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ }

{ وَأَرْسَلْنَا ٱلرّيَاحَ لَوَاقِحَ } عطف علىجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَـٰيِشَ } [الحجر: 20] وما بينهما اعتراض لتحقيق ما سبق وترشيح ما لحق، واللواقح جمع/ لاقح بمعنى حامل يقال: ناقة لاقح أي حامل، ووصف الرياح بذلك على التشبيه البليغ، شبهت الريح التي بالسحاب الماطر بالناقة الحامل لأنها حاملة لذلك السحاب أو للماء الذي فيه، وقال الفراء: إنها جمع لاقح على النسب كلابن وتامر أي ذات لقاح وحمل، وذهب إليه الراغب، ويقال لضدها ريح عقيم، وقال أبو عبيدة: { لَوَاقِحَ } أي ملاقح جمع ملقحة كالطوائح في قوله:
ليبك يزيد ضارع لخصومة   مختبط مما تطيح الطوائح
أي المطاوح جمع مطيحة، وهو من ألقح الفحل الناقة إذا ألقى ماءه فيها لتحمل، والمراد ملقحات للسحاب أو الشجر فيكون قد استعير اللقح لصب المطر في السحاب أو الشجر، وإسناده إليها على الأول حقيقة وعلى الثاني مجاز إذ الملقى في الشجر السحاب لا الريح والرياح اللواقح هي ريح الجنوب كما رواه ابن أبـي الدنيا عن قتادة مرفوعاً، وروى الديلمي بسند ضعيف عن أبـي هريرة نحوه، وأخرج ابن جرير وغيره عن عبيد بن عمير قال: يبعث الله تعالى المبشرة فتقم الأرض قماً ثم يبعث المثيرة السحاب فتجعله كسفاً ثم يبعث المؤلفة فتؤلف بينه فيجعله ركاماً ثم يبعث اللواقح فتلقحه فيمطر. وقرأ حمزة { وأرسلنا الريح } بالإفراد على تأويل الجنس فتكون في معنى الجمع فلذا صح جعل { لَوَاقِحَ } حالاً منها وذلك كقولهم: أهلك الناس الدينار الصفر والدرهم البيض، ولا تخالف هذه القراءة ما قالوه في حديث " [اللهم اجعلها رياحاً ولا تجعلها ريحاً] " من أن الرياح تستعمل للخير والريح للشر لما قال الشهاب من أن ذلك ليس من الوضع وإنما هو من الاستعمال وهو أمر أغلبـي لا كلي فقد استعملت الريح في الخير أيضاً نحو قوله تعالى:وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيّبَةٍ } [يونس: 22] أو هو محمول على الإطلاق بأن لا يكون معه قرينة كالصفة والحال، وأما كون المراد بالخير الدعاء بطول العمر ليرى رياحاً كثيرة فلا وجه له.

{ فَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآء } بعد ما أنشأنا بتلك الرياح سحاباً ماطراً { مَاء فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ } جعلناه لكم سقيا تسقون به مزارعكم ومواشيكم وهو على ما قيل أبلغ من سقيناكم لما فيه من الدلالة على جعل الماء معداً لهم ينتفعون به متى شاؤا، وقد فرق بين اسقي وسقى غير واحد فقد قال الأزهري: العرب تقول لكل ما كان من بطون الأنعام أو من السماء أو من نهر جار اسقيته أي جعلت شرباً له وجعلت له منه مسقى فإذا كان للشفة قالوا سقى ولم يقولوا أسقى، وقال أبو علي: يقال سقيته حتى روي وأسقيته نهراً جعلته شرباً له، وربما استعملوا سقى بلا همزة كأسقى كما في قول لبيد يصف سحاباً:

السابقالتالي
2