الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ }

{ وَٱلأَرْضَ مَدَدْنَـٰهَا } بسطناها، قال الحسن: أخذ الله تعالى طينة فقال لها: انبسطي فانبسطت، وعن قتادة أنه قال: ذكر لنا أن أم القرى مكة ومنها دحيت الأرض وبسطت، وعن ابن عباس أنه قال: بسطناها على وجه الماء، وقيل: يحتمل أن يكون المراد جعلناها ممتدة في الجهات الثلاث الطول والعرض والعمق، والظاهر أن المراد بسطها وتوسعتها ليحصل بها الانتفاع لمن حلها ولا يلزم من ذلك نفي كرويتها لما أن الكرة العظيمة لعظمها ترى كالسطح المستوي، ونصب { ٱلأَرْضَ } على الحذف على شرطية التفسير وهو في مثل ذلك أرجح من الرفع على الابتداء للعطف على الجملة الفعلية أعني قوله تعالى:وَلَقَدْ جَعَلْنَا } [الحجر: 16] الخ وليوافق ما بعده أعني قوله سبحانه: { وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوٰسِيَ } أي جبالاً ثوابت جمع راسية جمع راسي على ما قيل، وقد بين حكمة إلقاء ذلك فيها في قوله سبحانه:وَأَلْقَىٰ فِى ٱلأَرْضِ رَوَاسِىَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ } [النحل: 15].

قال ابن عباس: إن الله تعالى لما بسط الأرض على الماء مالت كالسفينة فأرساها بالجبال الثقال لئلا تميل بأهلها، وقد تقدم الكلام في ذلك. وزعم بعضهم أنه يجوز أن يكون المراد أنه تعالى فعل ذلك لتكون الجبال دالة على طرق الأرض ونواحيها فلا تميد الناس عن الجادة المستقيمة ولا يقعون في الضلال، ثم قال؛ وهذا الوجه ظاهر الاحتمال. وأنت تعلم أنه لا يسوغ الذهاب إليه مع وجود أخبار تأباه كالجبال.

{ وَأَنبَتْنَا فِيهَا } أي في الأرض، وهي إما شاملة للجبال لأنها تعد منها أو خاصة بغيرها لأن أكثر النبات وأحسنه في ذلك. وجوز أن يكون الضمير للجبال والأرض بتأويل المذكورات مثلاً أو للأرض بمعنى ما يقابل السماء بطريق الاستخدام، وعوده على الرواسي لقربها وحمل الإنبات على إخراج المعادن بعيد { مِن كُلّ شَىْء مَّوْزُونٍ } أي مقدر بمقدار معين تقتضيه الحكمة فهو مجاز مستعمل في لازم معناه أو كناية أو من كل شيء مستحسن متناسب من قولهم: كلام موزون، وأنشد المرتضى في " درره " لهذا المعنى قول عمر بن أبـي ربيعة.
وحديث ألذه وهو مما   تشتهيه النفوس يوزن وزناً
وقد شاع استعمال ذلك في كلام العجم والمولدين فيقولون: قوام موزون أي متناسب معتدل، أو ما له قدر واعتبار عند الناس في أبواب النعمة والمنفعة، وقال ابن زيد: المراد ما يوزن حقيقة كالذهب والفضة وغيرهما، و { مِنْ } كما في " البحر " للتبعيض، وقال الأخفش: هي زائدة أي كل شيء.