الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ }

{ لَقَالُواْ } لفرط عنادهم وغلوهم في المكابرة وتفاديهم عن قبول الحق: { إِنَّمَا سُكّرَتْ أَبْصَـٰرُنَا } أي سدت ومنعت من الإبصار حقيقة وما نراه تخيل لا حقيقة له، أخرج ابن أبـي حاتم وغيره عن مجاهد، وروي أيضاً عن ابن عباس وقتادة فهو من السكر بالفتح، وقال أبو حيان: بالكسر السد والحبس، وقال ابن السيد: السكر بالفتح سد الباب والنهر وبالكسر السد نفسه ويجمع على سكور، قال الرفاء:
غناؤنا فيه ألحان السكور إذا   قل الغناء ورنات النواعير
ويشهد لهذا المعنى قراءة ابن كثير والحسن ومجاهد { سُكّرَتْ أَبْصَـٰرُنَا } بتخفيف الكاف مبنياً للمفعول لأن سكر المخفف المتعدي اشتهر في معنى السد، وعن عمرو بن العلاء أن المراد حيرت فهو من السكر بالضم ضد الصحو، وفسروه بأنه حالة تعرض بين المرء وعقله، وأكثر ما يستعمل ذلك في الشراب وقد يعتري من الغضب والعشق، ولذا قال الشاعر:
سكران سكر هوى وسكر مدامة   أنى يفيق فتى به سكران
والتشديد في ذلك للتعدية لأن سكر كفرح لازم في الأشهر وقد حكي تعديه فيكون للتكثير والمبالغة، وأرادوا بذلك أنه فسدت أبصارنا واعتراها خلل في إحساسها كما يعتري عقل السكران ذلك فيختل إدراكه ففي الكلام على هذا استعارة وكذا على الأول عند بعض ويشهد لهذا المعنى قراءة الزهري { سكرت } بفتح السين وكسر الكاف مخففة مبنياً للفاعل لأن الثلاثي اللازم مشهور فيه ولأن سكر بمعنى سد المعروف ففيه فتح الكاف. واختار الزجاج أن المعنى سكنت عن أبصار الحقائق من سكرت الريح تسكر سكراً إذا ركدت ويقال: ليلة ساكرة لا ريح فيها والتضعيف للتعدية ولهم أقوال أخر متقاربة في المعنى. وقرأ أبان بن تغلب وحملت لمخالفتها سواد المصحف على التفسير سحرت أبصارنا.

{ بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ } قد سحرنا محمد صلى الله عليه وسلم كما قالوا ذلك عند ظهور سائر الآيات الباهرة، والظاهر على ما قال القطب أنهم أرادوا أولاً سكرت أبصارنا لا عقولنا فنحن وإن تخيلنا هذه الأشياء بأبصارنا لكن نعلم بعقولنا أن الحال بخلافه ثم أضربوا عن الحصر في الإبصار وقالوا: بل تجاوز ذلك إلى عقولنا، وفسر الزمخشري الحصر بأن ذلك ليس إلا تسكيراً فأورد عليه بأن { إِنَّمَا } إنما تفيد الحصر في المذكور آخراً وحينئذ يكون المعنى ما تقدم وهو مبني على أن تقديم المقصور على المقصور عليه لازم وخلافه ممتنع، وقد قال المحقق في " شرح التخليص " إنه يجوز إذا كان نفس التقديم يفيد الحصر كما في قولنا: إنما زيداً ضربت فإنه لقصر الضرب على زيد، وقال أبو الطيب:
صفاته لم تزده معرفة   لكنها لذة ذكرناها
أي ما ذكرناها إلا لذة إلا أن هذا لا ينفع فيما نحن فيه.

السابقالتالي
2 3