الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ ٱلأَوَّلِينَ }



{ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ } الضمير للذكر أيضاً، والجملة في موضع الحال من مفعولنَسْلُكُهُ } [الحجر: 12] أي غير مؤمن به، وهي إما مقدرة وإما مقارنة على معنى أن الإلقاء وقع بعده الكفر من غير توقف فهما في زمان واحد عرفاً، ويجوز أن تكون بياناً للجملة السابقة فلا محل لها من الإعراب، قال في " الكشف ": وهو الأوجه لأن في طريقة الإبهام والتفسير لا سيما في هذا المقام ما يجل موقع الكلام. وفي " إرشاد العقل السليم " أنه قد جعل ضميرنَسْلُكُهُ } [الحجر: 12] للاستهزاء المفهوم منيَسْتَهْزِئُونَ } [الحجر: 11] فتتعين البيانية إلا أن يجعل ضمير { بِهِ } له أيضاً على أن الباء للملابسة أي يسلك الاستهزاء في قلوبهم حال كونهم غير مؤمنين بملابسة الاستهزاء، وقد ذهب إلى جواز ارجاع الضميرين إلى الاستهزاء ابن عطية إلا أنه جعل الباء للسببية، وكذا الفاضل الجلبـي، ولا يخفى أن بعد ذلك يغنى عن رده. وذهب البيضاوي إلى كون الضمير الأول للاستهزاء وضمير { بِهِ } للذكر وتفريق الضمائر المتعاقبة على الأشياء المختلفة إذا دل الدليل عليه ليس ببدع في القرآن، وجوز على هذا كون الجملة حالاً منٱلْمُجْرِمِينَ } [الحجر: 12] ولا يتعين كونها حالاً من الضمير ليتعين رجوعه للذكر، وذكر أن عوده على الاستهزاء لا ينافي كونها مفسرة بل يقويه إذ عدم الإيمان بالذكر أنسب بتمكن الاستهزاء في قلوبهم، وجعل الآية دليلاً على أنه تعالى يوجد الباطل في قلوبهم ففيها رد على المعتزلة في قولهم: إنه قبيح فلا يصدر منه سبحانه، وكأنه رحمه الله تعالى ظن أن ما فعله الزمخشري من جعل الضميرين للذكر كان رعاية لمذهبه ففعل ما فعل، ولا يخفى أنه لم يصب المحز وغفل عن قولهم: الدليل إذا طرقه الاحتمال بطل به الاستدلال.

وفي " الكشف " بعد كلام ان رجع الضمير إلى الاستهزاء أو الكفر مع ما فيه من تنافر النظم لا ينكره أهل الاعتزال إلا كإنكار سلك الذكر بصفة التكذيب والتأويل كالتأويل، وكأنهم غفلوا عما ذكره جار الله في الشعراء حيث أجاب عن سؤال إسناد سلك الذكر بتلك الصفة إلى نفسه جل وعلا بأن المراد تمكنه مكذوباً في قلوبهم أشد التمكن كشيء جبلوا عليه؛ ولخص المعنى هٰهنا بأنه تعالى يلقيه في قلوبهم مكذباً لا أن التكذيب فعله سبحانه. نعم أخرج ابن أبـي حاتم عن أنس والحسن تفسير ضميرنَسْلُكُهُ } [الحجر: 12] إلى الشرك، وأخرج هو وابن جرير عن ابن زيد أنه قال في الآية: هم كما قال الله تعالى هو أضلهم ومنعهم الإيمان لكن هذا أمر وما نحن فيه آخر، واعترض بعضهم رجوع الضمير إلىٱلذّكْرِ } [الحجر: 9] بأن نون العظمة لا تناسب ذلك فإنها إنما تحسن إذا كان فعل المعظم نفسه فعلاً يظهر له أثر قوي وليس كذلك هنا فإنه تدافع وتنازع فيه.

السابقالتالي
2