الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ يَوْمَ تُبَدَّلُ ٱلأَرْضُ غَيْرَ ٱلأَرْضِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُ وَبَرَزُواْ لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ الْقَهَّارِ }

{ يَوْمَ تُبَدَّلُ ٱلأَرْضُ غَيْرَ ٱلأَرْضِ } ظرف لمضمر مستأنف ينسحب عليه النهي المذكور أي ينجزه يوم إلى آخره أو معطوف عليه نحوفَٱرْتَقِبْ يَوْمَ } [الدخان: 10] إلى آخره، وجعله بعض الفضلاء معمولاً لأذكر محذوفاً كما قيل في شأن نظائره، وقيل: ظرف للانتقام وهويَوْمَ يَأْتِيهِمُ ٱلْعَذَابُ } [إبراهيم: 44] بعينه ولكن له أحوال جمة يذكر/ كل مرة بعنوان مخصوص، والتقييد مع عموم انتقامه سبحانه للأوقات كلها للإفصاح عما هو المقصود من تعذيب الكفرة المؤخر إلى ذلك اليوم بموجب الحكمة المقتضية له. وجوز أبو البقاء تعلقه بلا يخلف الوعد مقدراً بقرينة السابق، وفيه الوجه قبله من الحاجة إلى الاعتذار.

وقال الحوفي: هو متعلق ـ بمخلف ـ وإِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ ذُو ٱنتِقَامٍ } [إبراهيم: 47] جملة اعتراضية، وفيه رد لما قيل: لا يجوز تعلقه بذلك لأن ما قبل إنّ لا يعمل فيما بعدها لأن لها الصدارة، ووجهه أنها لكونها وما بعدها اعتراضاً لا يبالي بها فاصلاً. وجوز الزمخشري انتصابه على البدلية منيَوْمَ يَأْتِيهِمُ } [إبراهيم: 44] وهو بدل كل من كل، وتبعه بعض من منع تعلقه ـ بمخلف ـ لمكان ماله الصدر. والعجب أن العامل فيه حينئذ ـ أنذر ـ فيلزم عليه ما لزم القائل بتعلقه بما ذكر فكأنه ذهب إلى البدل له عامل مقدر وهو ضعيف.

وقوله تعالى: { وَالسَّمَٰوَاتُ } عطف على المرفوع أي وتبدل السمٰوات غير السمٰوات، والتبديل قد يكون في الذات كما في بدلت الدراهم دنانير ومنه قوله تعالى:بَدَّلْنَـٰهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا } [النساء: 56] وقد يكون في الصفات كما في قولك: بدلت الحلقة خاتماً إذا غيرت شكلها، ومنه قوله سبحانه:يُبَدّلُ ٱللَّهُ سَيّئَاتِهِمْ حَسَنَـٰتٍ } [الفرقان: 70] والآية الكريمة ليست بنص في أحد الوجهين نص ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال تبدل الأرض يزاد فيها وينقص منها وتذهب آكامها وجبالها وأوديتها وشجرها وما فيها وتمد مد الأديم العكاظي وتصير مستوية لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً. وتبدل السمٰوات بذهاب شمسها وقمرها ونجومها وحاصله يغير كل عما هو عليه في الدنيا. وأنشد:
وما الناس بالناس الذين عهدتهم   ولا الدار بالدار التي كنت أعلم
وقال ابن الأنباري: تبدل السمٰوات بطيها وجعلها مرة كالمهل ومرة وردة كالدهان. وأخرج ابن أبـي الدنيا وابن جرير وغيرهما عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه قال: تبدل الأرض من فضة والسماء من ذهب. وأخرج ابن المنذر عن مجاهد أنه تكون الأرض كالفضة والسمٰوات كذلك. وصح عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه قال: تبدل الأرض أرضاً بيضاء كأنها سبيكة فضة لم يسفك فيها دم حرام ولم يعمل فيها خطيئة، وروي ذلك مرفوعاً أيضاً، والموقوف ـ على ما قال البيهقي ـ أصح.

السابقالتالي
2 3