الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ ٱللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ ٱلْجِبَالُ }

وقوله سبحانه: { وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ } حال من الضمير الأول فيفَعَلْنَا بِهِمْ } [إبراهيم: 45] أو من الثاني أو منهما جميعاً، وقدم عليه قوله تعالى:وَضَرَبْنَا لَكُمُ ٱلأَمْثَالَ } [إبراهيم: 45] لشدة ارتباطه على ما قيل بما قبله أي فعلنا بهم ما فعلنا والحال أنهم قد مكروا في إبطال الحق وتقرير الباطل مكرهم العظيم الذي استفرغوا في عمله المجهود وجاوزوا فيه كل حد معهود بحيث لا يقدر عليه غيرهم، والمراد بيان تناهيهم في استحقاق ما فعل بهم، أو وقد مكروا مكرهم المذكور في ترتيب مبادي، البقاء ومدافعة أسباب الزوال فالمقصود إظهار عجزهم واضمحلال قدرتهم وحقارتها عند قدرة الله سبحانه قاله شيخ الإسلام، وهو ظاهر في أن هذا من تتمة ما يقال لأولئك الذين ظلموا، وهو المروي عن محمد بن كعب القرظي، فقد أخرج عنه ابن جرير أنه قال: بلغني أن أهل النار ينادونرَبَّنَا أَخّرْنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ } [إبراهيم: 44] الخ فيرد عليهم بقوله سبحانه:أَوَ لَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُمْ } [إبراهيم: 44] إلى قوله تعالى: { لِتَزُولَ مِنْهُ ٱلْجِبَالُ } وذكره ابن عطية احتمالاً، وقيل غير ذلك مما ستعلمه إن شاء الله تعالى قريباً. وظاهر كلام غير واحد أن استفادة المبالغة في { مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ } من الإضافة، وفي «الحواشي الشهابية» أن { مَكْرَهُمْ } منصوب على أنه مفعول مطلق لأنه لازم فدلالته على المبالغة لقوله تعالى الآتي: { وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ } الخ لا لأن إضافة المصدر تفيد العموم أي أظهروا كل مكر لهم أو لأن إضافته وأصله التنكير لإفادة أنهم معروفون بذلك وللبحث فيه مجال.

{ وَعِندَ ٱللَّهِ مَكْرُهُمْ } أي جزاء مكرهم على أن الكلام على حذف مضاف، وجوز أن لا يكون هناك مضاف محذوف، والمعنى مكتوب عنده تعالى مكرهم ومعلوم له سبحانه وذلك كناية عن مجازاته تعالى لهم عليه، وأياً ما كان فإضافة { مَكَرَ } إلى الفاعل وهو الظاهر المتبادر، وقيل: إنه مضاف إلى مفعوله على معنى عنده تعالى مكرهم الذي يمكرهم به وتعقبه أبو حيان بأن المحفوظ أن مكر لازم ولم يسمع متعدياً، وأجيب بأنه يجوز أن يكون المكر متجوزاً به أو مضمناً معنى الكيد أو الجزاء، والكلام في نسبة المكر إليه تعالى وأنه إما باعتبار المشاكلة أو الاستعارة مشهور، وذكر بعض المحققين أن المراد بهذا المكر ما أفاده قوله تعالى:كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ } [إبراهيم: 45] لا أنه وعيد مستأنف. والجملة حال من الضمير في { مَكَرُواْ } أي مكروا مكرهم وعند الله تعالى جزاؤه أو هو ما أعظم منه. والمقصود بيان فساد رأيهم حيث باشروا فعلاً مع تحقق ما يوجب تركه.

{ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ ٱلْجِبَالُ } أي وإن كان مكرهم في غاية الشدة والمتانة، وعبر عن ذلك بكونه (معدى) لإزالة الجبال عن مقارها لكونه مثلاً في ذلك.

السابقالتالي
2 3 4