الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَآءٌ }

{ مُهْطِعِينَ } مسرعين إلى الداعي قاله ابن جبير وقتادة، وقيده في «البحر» بقوله: بذلة واستكانة كإسراع الأسير والخائف، وقال الأخفش: مقبلين للإصغاء وأنشد:
بدجلة دارهم ولقد أراهم   بدجلة مهطعين إلى السماع
وقال مجاهد: مديمين النظر لا يطرفون، وقال أحمد بن يحيـى: المهطع الذي ينظر في ذلٍّ وخشوع لا يقلع بصره، وروى ابن الأنباري أن الإهطاع التجميح وهو قبض الرجل ما بين عينيه، وقيل: إن الإهطاع مد العنق والهطع طول العنق، وذكر بعضهم أن أهطع وهطع بمعنى وأن كل المعاني تدور على الإقبال { مُقْنِعِى رُؤُوسَهُمْ } رافعيها مع الإقبال بأبصارهم إلى ما بين أيديهم من غير التفات إلى شيء، قاله ابن عرفة والقتيبـي. وأنشد الزجاج قول الشماخ يصف إبلاً ترعى أعلا الشجر:
يباكرن العضاة بمقنعات   نواجذهن كالحد الوقيع
وأنشده الجوهري لكون الإقناع انعطاف الإنسان إلى داخل الفم يقال: فم مقنع أي معطوفة أسنانه إلى داخله وهو الظاهر، وفسر ابن عباس رضي الله تعالى عنهما المقنع بالرافع رأسه أيضاً وأنشد له قول زهير:
هجان وحمر مقنعات رؤسها   وأصفر مشمول من الزهر فاقع
/ ويقال: أقنع رأسه نكسه وطأطأه فهو من الأضداد، قال المبرد. وكونه بمعنى رفع أعرف في اللغة اهـ، وقيل: ومن المعنى الأول قنع الرجل إذا رضي بما هو فيه كأنه رفع رأسه عن السؤال. وقد يقال: إنه من الثاني كأنه طأطأ رأسه ولم يرفعه للسؤال ولم يستشرف إلى غير ما عنده، ونصب الوصفين على أنهما حالان من مضاف محذوف أي أصحاب الأبصار بناءً على أنه يقال: شخص زيد ببصره أو الأبصار تدل على أصحابها فجاءت الحال من المدلول عليه ذكر ذلك أبو البقاء، وجوز أن يكون { مُهْطِعِينَ } منصوباً بفعل مقدر أي تبصرهم مهطعين و { مُقْنِعِى رُؤُوسَهُمْ } على هذا قيل: حال من المستتر في { مُهْطِعِينَ } فهي حال متداخلة وإضافته غير حقيقية فلذا وقع حالاً؛ وقال بعض الأفاضل: إن في اعتبار الحالية من أصحاب حسبما ذكر أولاً ما لا يخفى من البعد والتكلف، والأولى والله تعالى أعلم جعل ذلك حالاً مقدرة من مفعوليُؤَخِرُهُمْ } [إبراهيم: 42] وقوله سبحانه:تَشْخَصُ فِيهِ ٱلأَبْصَـٰرُ } [إبراهيم: 42] بيان حال عموم الخلائق. ولذلك أوثر فيه الجملة الفعلية، فإن المؤمنين المخلصين لا يستمرون على تلك الحال بخلاف الكفار حيث يستمرون عليها ولذلك عبر عن حالهم بما يدل على الدوام والثبات، فلا يرد على هذا توهم التكرار بين { مُهْطِعِينَ } وتَشْخَصُ فِيهِ ٱلأَبْصَـٰرُ } [إبراهيم: 42] على بعض التفاسير، وبنحو ذلك رفع التكرار بين الأول.

وقوله تعالى: { لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ } بمعنى لا يرجع إليهم تحريك أجفانهم حسبما كان يرجع إليهم كل لحظة، فالطرف باق على أصل معناه وهو تحريك الجفن، والكلام كناية عن بقاء العين مفتوحة على حالها.

السابقالتالي
2 3