الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ }

{ وَمَا أَرْسَلْنَا } أي في الأمم الخالية من قبلك كما سيذكر إن شاء الله تعالى إجمالاً { مِن رَّسُولٍ إِلاَّ } متلبساً { بِلِسَانِ قَوْمِهِ } متكلماً بلغة من أرسل إليهم من الأمم المتفقة على لغة سواء بعث فيهم أو لا، وقيل: بلغة قومه الذين هو منهم وبعث فيهم، ولا ينتقض الحصر بلوط عليه السلام فإنه تزوج منهم وسكن معهم، وأما يونس عليه السلام فإنه من القوم الذين أرسل إليهم كما قالوه فلا حاجة إلى القول بأن ذلك باعتبار الأكثر/ الأغلب ولعل الأولى ما ذكرنا. وقرأ أبو السمال وأبو الحوراء وأبو عمران الجوني { بلسن } بإسكان السين على وزن ذكر وهي لغة في لسان كريش ورياش، وقال صاحب " اللوامح ": إنه خاص باللغة واللسان يطلق عليها وعلى الجارحة وإلى ذلك ذهب ابن عطية وقرأ أبو رجاء وأبو المتوكل والجحدري { بلسن } بضم اللام والسين وهو جمع لسان كعماد وعمد. وقرىء { بلسن } بضم اللام وسكون السين وهو مخفف لسن كرسل ورسل { لِيُبَيّنَ } ذلك الرسول { لَهُمْ } لأولئك القوم الذين أرسل إليهم ما كلفوا به فيتلقوه منه بسهولة وسرعة فيمتثلوا ذلك من غير حاجة إلى الترجمة وحيث لم تتأت هذه القاعدة في شأن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى إخوانه المرسلين أجمعين لعموم بعثته وشموله رسالته الأسود والأحمر والجن والبشر على اختلاف لغاتهم وكان تعدد نظم الكتاب المنزل إليه صلى الله عليه وسلم عليه حسب تعدد ألسنة الأمم أدعى إلى التنازع واختلاف الكلمة وتطرق أيدي التحريف مع أن استقلال بعض من ذلك بالإعجاز مئنة لقدح القادحين، واتفاق الجميع فيه أمر قريب من الإلجاء المنافي للتكليف، وحصر البيان بالترجمة والتفسير اقتضت الحكمة [اتحاد النظم] المنبـىء عن العزة وجلالة الشأن المستتبع لفوائد غنية عن البيان، على أن الحاجة إلى الترجمة تتضاعف عند التعدد إذ لا بد لكل طائفة من معرفة توافق الكل [وتحاذيه] حذو القذة بالقذة من غير مخالفة ولو في خصلة فذة، وإنما يتم ذلك بمن يترجم عن الكل واحداً أو متعدداً وفيه من التعذر ما فيه، ثم لما كان أشرف الأقوام وأولاهم بدعوته عليه الصلاة والسلام قومه الذين بعث بين ظهرانيهم ولغتهم أفضل اللغات نزل الكتاب المبين بلسان عربـي مبين وانتشرت أحكامه بين الأمم أجمعين، كذا قرره شيخ الإسلام والمسلمين وهو من الحسن بمكان، بيد أن بعضهم أبقى الكلام على عمومه بحيث يشمل النبـي صلى الله عليه وسلم وأراد بالقوم الذين ذلك الرسول منهم وبعث فيهم، والمراد من قومه صلى الله عليه وسلم العرب كلهم، ونقل ذلك أبو شامة في " المرشد " عن السجستاني واحتج بقوله صلى الله عليه وسلم:

السابقالتالي
2 3 4