الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ ٱلإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ }

{ وَآتَـٰكُمْ مّن كُلّ مَا سَأَلْتُمُوهُ } أي أعطاكم بعض جميع ما سألتموه حسبما تقتضيه مشيئته التابعة للحكمة والمصلحة ـ فمن كل ـ مفعول ثان ـ لآتى ـ و { مِنْ } تبعيضية، وقال بعض الكاملين: إن { كُلٌّ } للتكثير والتفخيم لا للإحاطة والتعميم كما في قوله تعالى:فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلّ شَىْء } [الأنعام: 44] واعترض على حمل { مِنْ } على التبعيض دون ابتداء الغاية بأنه يفضي إلى إخلاء لفظ { كُلِّ } عن فائدة زائدة لأن { مَا } نص في العموم بل يوهم إيتاء البعض من كل فرد متعلق به السؤال ولا وجه له. ودفع بأنه بعد تسليم كون { مَا } نصاً في العموم هنا عمومان عموم الأفراد وعموم الأصناف بمعنى كل صنف صنف وهما مقصودان هنا، فالمعنى أعطاكم من جميع أفراد كل صنف سألتموه، فإن الاحتياج بالذات إلى النوع/ والصنف لا لفرد بخصوصه، وفسر { مَا سَأَلْتُمُوهُ } بما من شأنه أن يسأل لاحتياج الناس إليه، سواء سئل بالفعل أم لم يسأل، فلا ينفي إيتاء ما لا حاجة إليه مما لا يخطر بالبال، وجعلوا الاحتياج إلى الشيء سؤالاً له بلسان الحال وهو من باب التمثيل، وسبيل هذا السؤال سبيل الجواب في رأي في قوله تعالى:أَلَسْتُ بِرَبّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ } [الأعراف: 172] وقيل: الأصل وآتاكم من كل ما سألتموه وما لم تسألوه فحذف الثاني لدلالة ما أبقى على ما ألقى، { وَمَا } يحتمل أن تكون موصولة والضمير المنصوب في { سَأَلْتُمُوهُ } عائد عليها، والتقدير من كل الذي سألتموه إياه؛ ومنع أبو حيان جواز أن يكون راجعاً إليه تعالى ويكون العائد على الموصول محذوفاً مستنداً بأنه لو قدر متصلاً لزم اتصال ضميرين متحدي الرتبة من دون اختلاف وهو لا يجوز ولو قدر منفصلاً حسبما تقتضيه القاعدة في مثل ذلك لزم حذف العائد المنفصل وقد نصوا على عدم جوازه اهـ.

وذهب بعضهم إلى جواز كلا التقديرين مدعياً أن منع اتصال المتحدين رتبة خاص فيما إذا ذكرا معاً أما إذا ذكر أحدهما وحذف الآخر فلا منع إذ الاتصال حينئذٍ محض اعتبار وعلة المنع لا تجري فيه، وأن منع حذف المنفصل خاص أيضاً فيما إذا كان الانفصال لغرض معنوي كالحصر في قولك: جاء الذي أباه ضربت إذ بالحذف حينئذٍ يفوت ذلك الغرض، أما إذا كان لغرض لفظي كدفع اجتماع المثلين فلا منع إذ ليس هناك غرض يفوت، ويحتمل أن تكون موصوفة والكلام في الضمير كما تقدم، وأن تكون مصدرية والضمير لله تعالى والمصدر بمعنى المفعول أي مسؤولكم.

وقرأ ابن عباس والضحاك والحسن ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وعمرو بن قائد وقتادة وسلام ويعقوب ونافع في رواية { من كل } بالتنوين أي وآتاكم من كل شيء ما احتجتم إليه وسألتموه بلسان الحال، وجوز على هذه القراءة أن تكون { ما } نافية والمفعول الثاني { من كل } كما في قوله تعالى:

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10