الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَسَخَّر لَكُمُ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ }

{ وَسَخَّر لَكُمُ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ دَائِبَينَ } أي دائمين في الحركة لا يفتران إلى انقضاء عمر الدنيا. أخرج ابن أبـي حاتم وأبو الشيخ في " العظمة " عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: الشمس بمنزلة الساقية تجري بالنهار في السماء في فلكها فإذا غربت جرت بالليل في فلكها تحت الأرض حتى حتى تطلع من مشرقها وكذلك القمر، والقول بجريانهما إذا غربا تحت الأرض مروي أيضاً عن الحسن البصري وهو الذي يشهد له العقل السليم وللأخباريين غير ذلك، وظاهر الآية إثبات الحركة لهما أنفسهما. والفلاسفة يثبتون لهما حركتين يسمون احداهما الحركة الأولى وهي الحركة اليومية من المشرق إلى المغرب الحاصلة لهما بقسر المحدد لفلكيهما، والأخرى الحركة الثانية وهي الحركة على توالي البروج من المغرب إلى المشرق الحاصلة لهما بحركة فلكيهما حركة ذاتية، ولا يثبتون لهما حركة في ثخن الفلك على نحو حركة السمكة في الماء لصلابة الفلك وعدم قبوله الخرق أصلا عندهم. وأثبت الشيخ الأكبر قدس سره في " فتوحاته " حركتهما على ذلك النحو، والفلك عنده مثل الماء والهواء.

ذكر بعض الأخباريين أنهما وسائر الكواكب معلقة بسلاسل من نور بأيدي ملائكة يسيرونها كيف شاء الله تعالى وحيث شاء سبحانه، والأفلاك ساكنة عند هذا البعض، وكذا عند الشيخ قدس سره على ما يقتضيه ظاهر كلامه، والأخبار في هذا الباب ليست بحيث تسد ثغر الخصم. وذكر النسفي أنه ليس فيهما ما يعول عليه، وكلام الفلاسفة ما لم يكن فيه مصادمة لما تحقق عن المخبر الصادق صلى الله عليه وسلم مما لا بأس به، وفسر بعضهم { دَائِبَينَ } بمجدين تعبين وهو على التشبيه والاستعارة، وأصل الدأب العادة المستمرة، ونصب الاسم على الحال، وتسخير/ هذين الكوكبين العظيمين جعلهما منيرين مصلحين ما نيط بهما صلاحه من المكونات، ولعمري أن الله سبحانه جعلهما أجدى من تفاريق العصا. وفي كتاب " المشارع " و " المطارحات " للشيخ شهاب الدين السهروردي قتيل حلب أن تأثير الشمس والقمر أظهر الآثار السماوية، وتأثير الشمس أظهر من تأثير القمر، وأظهر الآثار بعد الشعاع التسخين الحاصل منه ولولا ذلك ما كان كون ولا فساد ولا استحالة ولا ليل ولا نهار ولا فصول ولا مزاج ولا حيوانات ولا غيرها، وأطال الكلام في بيان ذلك وما يتعلق به، ولا ضرر عندي في اعتقاد أنهما مؤثران بإذن الله تعالى كسائر الأسباب عند السلف الصالح.

{ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ } يتعاقبان لسباتكم ومعاشكم، وأرجع بعض المحققين التسخير في المواضع الأربعة إلى معنى التصريف، وأصله سياقة الشيء إلى الغرض المختص به قهراً، وذكر أن في التعبير عن ذلك به من الإشعار بما في ذلك من صعوبة المأخذ وعزة المنال والدلالة على عظم السلطان وشدة المحال ما لا يخفى، والظاهر أنه في المعنى المراد به هنا مجاز في تلك المواضع جميعا، ونقل أبو حيان عن المتكلمين أنه مجاز في الأخير منها قال: لأن الليل والنهار عرضان والأعراض لا تسخر وفيه قصور، وفي إبراز كل من هذه النعم في جملة مستقلة تنويه لشأنها وتنبيه على رفعة مكانها وتنصيص على كون كل نعمة جليلة مستوجبة للشكر.

السابقالتالي
2