الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ ٱلثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي ٱلْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلأَنْهَارَ }

{ ٱللَّهُ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } الخ، وهذا أولى مما قيل: إنه تعالى لما أطال الكلام في وصف أحوال السعداء والأشقياء وكان حصول السعادة بمعرفة الله تعالى وصفاته والشقاوة بالجهل بذلك ختم الوصف بالدلائل الدالة على وجوده جل شأنه وكمال علمه وقدرته فقال سبحانه ما قال لظهور اعتبار المذكورات في حيز الصلة نعماً لا دلائل، والاسم الجليل مبتدأ والموصول خبره ولا يخفى ما في الكلام من تربية المهابة والدلالة على قوة السلطان، والمراد خلق السمٰوات وما فيها من الأَجرام العلوية والأرض وما فيها من أنواع المخلوقات.

{ وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاء } أي السحاب { مَاء } أي نوعاً منه وهو المطر، وسمي السحاب سماء لعلوه وكل ما علاك سماء؛ وقيل: المراد بالسماء الفلك المعلوم فإن المطر منه يتبدى إلى السحاب ومن السحاب إلى الأرض، وعليه الكثير من المحدثين لظواهر الأخبار. واستبعد ذلك الإمام لأن الإنسان ربما كان واقفاً على قلة جبل عال ويرى السحاب أسفل منه فإذا نزل رآه ماطراً، ثم قال: وإذا كان هذا أمراً مشاهداً بالبصر كان النزاع فيه باطلاً، وأول بعضهم الظواهر لذلك بأن معنى نزول المطر من السماء نزوله بأسباب ناشئة منها، وأياً ما كان فمن ابتدائية وهي متعلقة بأنزل وتقديم المجرور على المنصوب اما باعتبار كونه مبتدأ لنزوله أو لتشريفه كما في قولك: أعطاه السلطان من خزائنه مالاً أو لما مر غير مرة من التشويق إلى المؤخر.

{ فَأَخْرَجَ بِهِ } أي بذلك الماء { مِنَ ٱلثَّمَرٰتِ رِزْقاً لَّكُمْ } تعيشون به وهو بمعنى المرزوق مراداً به المعنى اللغوي وهو كل ما ينتفع به فيشمل المطعوم والملبوس، ونصبه على أنه مفعول { أَخْرَجَ } و { مِنَ ٱلثَّمَرٰتِ } بيان له فهو في موضع الحال منه، وتقدم { مِنْ } البيانية على ما تبينه قد أجازه الكثير من النحاة وقد مر الكلام في ذلك، واستظهر أبو حيان المانع لذلك كون { مِنْ } للتبعيض، والجار والمجرور في موضع الحال و { رِزْقاً } مفعول { أَخْرَجَ } أيضاً، وجوز أن تكون { مِنْ } بمعنى بعض مفعول أخرج و { رِزْقاً } بمعنى مرزوقاً حالاً منه فهو بيان للمراد من بعض الثمرات لأن منها ما ينتفع به فهو رزق ومنها ما ليس كذلك، ويجوز أن يكون { رِزْقاً } باقياً على مصدريته، ونصبه على أنه مفعول له أي أخرج به ذلك لأجل الرزق والانتفاع به أو مفعول مطلق ـ لأخرج ـ لأن أخرج بعض الثمرات في معنى رزق فيكون في معنى قعدت جلوساً على المشهور، وقيل: من زائدة ولا يرى جواز ذلك هنا إلا الأخفش و { لَكُمْ } / صفة ـ لرزقاً ـ أن أريد به المرزوق ومفعول به إن أريد به المصدر كأنه قيل: رزقاً إياكم، والباء للسببية.

السابقالتالي
2