الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَبَرَزُواْ لِلَّهِ جَمِيعاً فَقَالَ ٱلضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُوۤاْ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُمْ مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ قَالُواْ لَوْ هَدَانَا ٱللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَآ أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ }

{ وَبَرَزُواْ لِلَّهِ جَمِيعًا } أي يبرزون يوم القيامة، وإيثار الماضي لتحقق الوقوع أو لأنه لا مضي ولا استقبال بالنسبة إليه سبحانه، والمراد ببروزهم لله ظهورهم من قبورهم للرائين لأجل حساب الله تعالى، فاللام للتعليل وفي الكلام حذف مضاف، وجوز أن تكون اللام صلة البروز وليس هناك حذف مضاف، ويراد أنهم ظهروا له عز شأنه عند أنفسهم وعلى زعمهم فإنهم كانوا يظنون عند ارتكابهم الفواحش سراً أنها تخفى على الله تعالى فإذا كان يوم القيامة انكشفوا له تعالى عند أنفسهم وعلموا أنه لا تخفى عليه جل شأنه خافية، وقال ابن عطية: معنى برزوا صاروا بالبراز وهي الأرض المتسعة فاستعير ذلك لمجمع يوم القيامة، وهذا ميل إلى التعليل والحذف. ونقل الإمام عن الحكماء في تأول البروز أن النفس إذا فارقت الجسد فكأنه زال الغطاء وبقيت مجردة بذاتها عارية عن كل ما سواها وذلك هو البروز لله تعالى وهو كلام تعده العرب من الأحاجي ولذا لم يلتفت إليه المحدثون. وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما { وبرزوا } مبنياً للمفعول وبتشديد الراء، والمراد أظهرهم الله تعالى وأخرجهم من قبورهم لمحاسبته.

{ فَقَالَ ٱلضُّعَفَاء } جمع ضعيف، والمراد بهم ضعاف الرأي وهم الأتباع، وكتب في المصحف العثماني بواو قبل الهمزة، ووجه ذلك بأنه على لفظ من يفخم الألف قبل الهمزة فيميلها إلى الواو، ونظيرهعُلَمَاءُ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } [الشعراء: 197]. ورد ذلك الجعبـري قائلاً: إنه ليس من لغة العرب ولا حاجة للتوجيه بذلك لأن الرسم سنة متبعة، وزعم ابن قتيبة أنه لغة ضعيفة، ولو وجه بأنه اتباع للفظه في الوقف فإن من القراء من يقف في مثل ذلك بالواو كان حسناً صحيحاً كذا ذكر فليراجع. ولعل من أنصف لا يرى أحسن من ترك التوجيه. { لِلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ } أي لرؤسائهم الذين استتبعوهم واستغووهم { إِنَّا كُنَّا } في الدنيا { لَكُمْ تَبَعًا } في تكذيب الرسل عليهم السلام والإعراض عن نصائحهم وهو جمع تابع كخادم وخدم وغايب وغيب أو/ اسم جمع لذلك ولم يذكر كونه جمعاً في «البحر». أو هو مصدر نعت به مبالغة أو بتأويل أو بتقدير مضاف أي تابعين أو ذوي تبع؛ وبه على سائر الاحتمالات يتعلق الجار والمجرور، والتقديم للحصر أي تبعاً لكم لا لغيركم. وقيل: المعنى: إنا تبع لكم لا لرأينا ولذا سماهم الله تعالى ضعفاء، ولا يلزم منه كون الرؤساء أقوياء الرأي حيث ضلوا وأضلوا، ولو حمل الضعف على كونهم تحت أيديهم وتابعين لهم كان أحسن وليس بذاك.

{ فَهَلْ أَنتُمْ مُّغْنُونَ عَنَّا } استفهام أريد به التوبيخ والتقريع، والفاء للدلالة على سببية الاتباع للإغناء، وهو من الغناء بمعنى الفائدة وضمن معنى الدفع ولذا عدي بعن أي إنا اتبعناكم فيما كنتم فيه من الضلال فهل أنتم اليوم دافعون عنا { مِنْ عَذَابِ ٱللَّهِ مِن شَىْء } أي بعض الشيء الذي هو عذاب الله تعالى بناء على ما قيل: إن { مِنْ } الثانية للتبعيض واقعة موقع المفعول للوصف السابق والأولى للبيان وهي واقعة موقع الحال من مجرور الثانية لأنها لو تأخرت كانت صفة له وصفة النكرة إذا قدمت أعربت حالاً، واعترض هذا الوجه بأن فيه تقديم من البيانية على ما تبينه وهو لا يجوز، وكذا تقديم الحال على صاحبها المجرور.

السابقالتالي
2 3 4