الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱسْتَفْتَحُواْ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ }

{ وَٱسْتَفْتَحُواْ } أي استنصروا الله تعالى على أعدائهم كقوله تعالى:إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَاءكُمُ ٱلْفَتْحُ } [الأنفال: 19] ويجوز أن يكون من الفتاحة أي الحكومة أي استحكموا الله تعالى وطلبوا منه القضاء بينهم كقوله تعالى:رَبَّنَا ٱفْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِٱلْحَقّ } [الأعراف: 89] والضمير للرسل عليهم السلام كما روي عن قتادة وغيره، والعطف على { أَوْحَىٰ } ويؤيد ذلك قراءة ابن عباس ومجاهد وابن محيصن { واستفتحوا } بكسر التاء أمراً للرسل عليهم السلام معطوفاً على { ليهلكن } [إبراهيم: 13] فهو داخل تحت الموحى، والواو من الحكاية دون المحكي، وقيل: ما قبله لإنشاء الوعد فلا يلزم عطف الإنشاء على الخبر مع أن مذهب بعضهم تجويزه، وأخر على القراءتين عن قوله تعالى: { لنهلكن } [إبراهيم: 13] أو ـ أوحى إليهم ـ على ما " الكشف " / دلالة على أنهم لم يزالوا داعين إلى أن تحقق الموعود من إهلاك الظالمين، وذلك لأن { لنهلكن } [إبراهيم: 13] وعد وإنما حقيقة الإجابة حين الإهلاك، وليس من تفويض الترتيب إلى ذهن السامع في شيء ولا ذلك من مقامه كما توهم. وقال ابن زيد: الضمير للكفار والعطف حينئذ علىقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } [إبراهيم: 13] أي قالوا ذلك واستفتحوا على نحو ما قال قريش:عَجّل لَّنَا قِطَّنَا } [ص: 16] وكأنهم لما قوي تكذيبهم وأذاهم ولم يعاجلوا بالعقوبة ظنوا أن ما قيل لهم باطل فاستفتحوا على سبيل التهكم والاستهزاء كقول قوم نوح:فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا } [الأعراف: 70] وقوم شعيبفَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفاً } [الشعراء: 187] إلى غير ذلك، وقيل: الضمير للرسل عليهم السلام ومكذبيهم لأنهم كانوا كلهم سألوا الله تعالى أن ينصر المحق ويهلك المبطل، وجعل بعضهم العطف على { أُوحِىَ } على هذا أيضاً بل ظاهر كلام بعض أن العطف عليه على القراءة المشهورة مطلقاً، وسيأتي إن شاء الله تعالى احتمال آخر في الضمير ذكره الزمخشري.

{ وَخَابَ } أي خسر وهلك { كُلّ جَبَّارٍ } متكبر عن عبادة الله تعالى وطاعته، وقال الراغب: ((الجبار في صفة الإنسان يقال لمن يجبر نقيصته بادعاء منزلة من التعالي لا يستحقها، ولا يقال إلا على طريق الذم)) { عَنِيدٍ } معاند للحق مباه بما عنده، وجاء فعيل بمعنى مفاعل كثيراً كخليط بمعنى مخالط ورضيع بمعنى مراضع، وذكر أبو عبيدة أن اشتقاق ذلك من العند وهو الناحية، ولذا قال مجاهد: العنيد مجانب الحق، قيل: والوصف الأول: إشارة إلى ذمه باعتبار الخلق النفساني والثاني: إلى ذمه باعتبار الأثر الصادر عن ذلك الخلق وهو كونه مجانباً منحرفاً عن الحق، وفي الكلام إيجاز الحذف بحذف الفاء الفصيحة والمعطوف عليه أي استفتحوا ففتح لهم وظفروا بما سألوا وأفلحوا وخاب كل جبار عنيد وهم قومهم المعاندون؛ فالخيبة بمعنى مطلق الحرمان دون الحرمان عن المطلوب أو ذلك باعتبار أنهم كانوا يزعمون أنهم على الحق، هذا إذا كان ضمير { ٱسْتَفْتَحُواْ } للرسل عليهم السلام، وأما إذا كان للكفار فالعطف كما في «البحر» على { ٱسْتَفْتَحُواْ } أي استفتح الكفار على الرسل عليهم السلام وخابوا ولم يفلحوا، وإنما وضع { كُلّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ } موضع ضميرهم ذماً لهم وتسجيلاً عليهم بالتجبر والعناد لا أن بعضهم ليسوا كذلك ولم تصبهم الخيبة، ويقدر إذا كان الضمير للرسل عليهم السلام وللكفرة استفتحوا جميعاً فنصر الرسل وخاب كل عات متمرد، والخيبة على الوجهين بمعنى الحرمان غب الطلب، وفي إسناد الخيبة إلى كل منهم ما لا يخفى من المبالغة.