الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُوْلَـٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ ٱلأَغْلاَلُ فِيۤ أَعْنَاقِهِمْ وَأُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدونَ }

{ وَإِن تَعْجَبْ } أي إن يقع منك عجب يا محمد { فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ } بعد مشاهدة الآيات الدالة على عظيم قدرته تعالى أي فليكن عجبك من قولهم: { أَءذَا كُنَّا تُرَابًا } إلى آخره فإنه الذي ينبغي أن يتعجب منه، ورفع { عَجَبٌ } على أنه خبر مقدم و { قَوْلُهُمْ } مبتدأ مؤخر، وقدم الخبر للقصر والتسجيل من أول الأمر بكون قولهم أمراً عجيباً، وفي " البحر " أنه لا بد من تقدير صفة ـ لعجب ـ لأنه لا يتمكن المعنى بمطلق فيقدر والله تعالى أعلم فعجب أي عجب أو فعجب غريب، وإذا قدرناه موصوفاً جاز أن يعرب مبتدأ للمسوغ وهو الوصف ولا يضر كون الخبر معرفة، وذلك كما قال سيبويه في ـ كم مالك ـ إن كم مبتدأ لوجود المسوغ فيه وهو الاستفهام، وفي نحو اقصد رجلاً خير منه أبوه إن خير مبتدأ للمسوغ أيضاً وهو العمل، ونقل أبو البقاء القول بأن عجب بمعنى معجب ثم قال: فعلى هذا يجوز أن يرتفع { قَوْلُهُمْ } به. وتعقب بأنه لا يجوز ذلك لأنه لا يلزم من كون شيء بمعنى شيء أن يكون حكمه في العمل حكمه فمعجب يعمل و { عجب } لا يعمل، ألا ترى أن فعلا كذبح وفعلة كقبض وفعلة كغرفة بمعنى مفعول ولا يعمل عمله فلا تقول مررت برجل ذبح كبشه أو قبض ماله أو غرفة ماؤه، بمعنى مذبوح كبشه ومقبوض ما له ومغروف ماؤه وقد نصوا على أن هذه تنوب في الدلالة لا العمل عن المفعول، وحصر النحويون ما يرفع الفاعل في أشياء ولم يعدوا المصدر إذا كان بمعنى اسم الفاعل منها.

والظاهر أن { أََئِذا كُنَّا } إلى آخره في محل نصب مقول لقول محكي به، والاستفهام إنكاري مفيد لكمال الاستبعاد والاستنكار، وجوز أن يكون في محل رفع على البدلية من { قَوْلُهُمْ } على أنه بمعنى المقول وهو على ما قال أبو حيان: إعراب متكلف وعدول عن الظاهر، وعليه فالعجب تكلمهم بذلك وعلى الأول كلامهم ذلك، والعامل في { إِذَا } ما دل عليه قوله تعالى: { أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ } وهو نبعث أو نعاد، والجديد ضد الخلق والبالي، ويقال: ثوب جديد أي كما فرغ من عمله وهو فعيل بمعنى مفعول كأنه قطع من نسجه، وتقديم الظرف لتقوية الإنكار بالبعث بتوجيهه إليه في حالة منافية له، وتكرير الهمزة في { أئنا } لتأكيد الإنكار، وليس مدار إنكارهم كونهم ثابتين في الخلق الجديد بالفعل عند كونهم تراباً بل كونهم بعرضية ذلك واستعدادهم له، وفيه من الدلالة على عتوهم وتماديهم في النكير ما لا يخفى. قال أبو البقاء: ولا يجوز أن تنتصب { إِذَا } بكنا لأنها مضافة إليها ولا بجديد لأن ما بعد أن لا يعمل فيما قبلها وكذا الاستفهام.

السابقالتالي
2 3