الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِيۤ إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ }



{ وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي أهل مكة عبد الله بن أبـي أمية وأصحابه، وإيثار هذه الطريقة على الإضمار مع ظهور إرادتهم عقيب ذكر فرحهم بناءاً على أن ضميرفَرِحُواْ } [الرعد:26] لهم لذمهم والتسجيل عليهم بالكفر فيما حكى عنهم من قولهم: { لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ ءايَةٌ مّن رَّبّهِ } فإن ذلك في أقصى مراتب المكابرة والعناد كأن ما أنزل عليه عليه الصلاة والسلام من الآيات العظام الباهرة ليست عندهم بآية حتى اقترحوا ما لا تقتضيه الحكمة من الآيات كسقوط السماء عليهم كسفاً وسير الأخشبين وجعل البطاح محارث ومغترساً كالأردن وإحياء قصي لهم إلى غير ذلك.

{ قُلْ إِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء } إضلاله مشيئة تابعة للحكمة الداعية إليها، ((وهو كلام جار مجرى التعجب من قولهم، وذلك أن الآيات الباهرة المتكاثرة التي أوتيها صلى الله عليه وسلم لم يؤتها نبـي قبله، وكفى بالقرآن وحده آية فإذا جحدوها ولم يعتدوا بها كان ذلك موضعاً للتعجب والإنكار، وكان الظاهر أن يقال في الجواب: ما أعظم عنادكم وما أشد تصميمكم على الكفر ونحوه إلا أنه وضع هذا موضعه للإشارة إلى أن المتعجب منه يقول: { إِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ } الخ أي أنه تعالى يخلق فيمن يشاء الضلال بصرف اختياره إلى تحصيله ويدعه منهمكاً فيه لعلمه بأنه لا ينجع فيه اللطف ولا ينفعه الإرشاد لسوء استعداده كمن كان على صفتكم في المكابرة والعناد وشدة الشكيمة والغلو في الفساد فلا سبيل له إلى الاهتداء ولو جاءته كل آية)).

{ وَيَهْدِى إِلَيْهِ } أي إلى جنابه العلي الكبير. وقال أبو حيان: أي إلى دينه وشرعه سبحانه هداية مواصلة إليه لا دلالة مطلقة إلى ما يوصل فإن ذلك غير مختص بالمهتدين وفيه من تشريفهم ما لا يوصف، وقيل: الضمير للقرآن أو للرسول عليه الصلاة والسلام وهو خلاف الظاهر جداً { مَنْ أَنَابَ } أي أقبل إلى الحق وتأمل في تضاعيف ما نزل من دلائله الواضحة وحقيقة الإنابة الرجوع إلى نوبة الخير، وإيثارها في الصلة على إيراد المشيئة كما في الصلة الأولى على ما قال مولانا شيخ الإسلام للتنبيه على الداعي إلى الهداية بل إلى مشيئتها والإشعار بما دعا إلى المشيئة الأولى من المكابرة، وفيه حث للكفرة على الإقلاع عما هم عليه من العتو والعناد، وإيثار صيغة الماضي للإيماء إلى استدعاء الهداية السابقة كما أن إيثار صيغة المضارع في الصلة الأولى للدلالة على استمرار المشيئة حسب استمرار مكابرتهم.

والآية صريحة في مذهب أهل السنة في نسبة الخير والشر إليه عز وجل وأولها المعتزلة فقال أبو علي الجبائي: ((المعنى يضل من يشاء عن ثوابه ورحمته عقوبة له على كفره فلستم ممن يجيبه الله تعالى إلى ما يسأل لاستحقاقكم العذاب والإضلال عن الثواب ويهدي إلى جنته من تاب وآمن، ثم قال: وبهذا تبين أن الهدى هو الثواب من حيث (إنه عقبه) بقوله تعالى: { مَنْ أَنَابَ } والهدى الذي يفعله سبحانه بالمؤمن هو الثواب لأنه يستحقه على إيمانه، وذلك يدل على أنه تعالى يضل عن الثواب بالعقاب لا عن الدين بالكفر على ما ذهب إليه من خالفنا)) اهـ ولا يخفى ما فيه.