الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ }



{ سَلَـٰمٌ عَلَيْكُمُ } أي قائلين ذلك وهو بشارة بدوام السلامة، فالجملة مقول لقول محذوف واقع حالاً من فاعليَدْخُلُونَ } [الرعد: 23] وجوز كونها حالاً من غير تقدير أي مسلمين، وهي في الأصل فعلية أي يسلمون سلاماً، وقوله تعالى: { بِمَا صَبَرْتُمْ } متعلق كما قال أبو البقاء بما تعلق به { عَلَيْكُمْ } أو به نفسه لأنه نائب عن متعلقه، ومنع هذا ـ كما قال السيوطي ـ السفاقسي وقال: لا وجه له، والصحيح أنه متعلق بما تعلق به { عَلَيْكُمْ } وجوز الزمخشري تعلقه ـ بسلام ـ على معنى نسلم عليكم ونكرمكم بصبركم؛ ومنعه أبو البقاء بأن فيه الفصل بين المصدر ومعموله بالأجنبـي وهو الخبر، ووجه ذلك في " الدر المصون " بأن المنع إنما هو في المصدر المؤول بحرف مصدري وهذا ليس منه مع أن الرضي جوز ذلك مع التأويل أيضاً وقال: لا أراه مانعاً لأن كل مؤول بشيء لا يثبت له جميع أحكامه، وجوز لهذه العلة العلامة الثاني تقديم معمول المصدر المؤول بأن والفعل عليه في نحو قوله تعالى:وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ } [النور: 2] وقال في «الكشف»: إن { عَلَيْكُمْ } نظراً إلى الأصل غير أجنبـي فلذلك جاز أن يفصل به، على أن الزمخشري لم يصرح بأنه معموله بل من مقتضاه ولذا قال: أي نسلم الخ فدل على أن التعلق معنوي يقدر ما يناسبه، ولو جعل معمولاً للظرف المستقر أعني { عَلَيْكُمْ } فيكون متعلقاً معنى ـ بسلام ـ ضرورة لكان وجهاً خالياً عن التكلف، وجعله أبو حيان خبر مبتدأ محذوف و { مَا } مصدرية والباء سببية أو بدلية أي هذا الثواب الجزيل بسبب صبركم في الدنيا على المشاق أو بدله. وعن أبـي عمران بما صبرتم على دينكم، وعن الحسن/ عن فضول الدنيا، وعن محمد بن النصر على الفقر، والتعميم أولى، وتخصيص الصبر بالذكر من بين الصلات السابقة لما أنه ملاك الأمر والأمر المعتنى به كما علمت.

{ فَنِعْمَ عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ } أي فنعم عاقبة الدنيا الجنة، وقيل: المراد بالدار الآخرة، وقال بعضهم: المراد أنهم عقبوا الجنة من جهنم، قال ابن عطية: وهذا مبني على ما ورد من أن كل رجل من أهل الجنة قد كان له مقعد من النار فصرفه الله تعالى عنه إلى النعيم فيعرض عليه ويقال له: هذا مقعدك من النار قد أبدلك الله تعالى بالجنة بإيمانك وصبرك. وقرأ ابن يعمر { فنعم } بفتح النون وكسر العين وذلك هو الأصل، وابن وثاب { فنعم } بفتح النون وسكون العين وتخفيف فعل لغة تميم، وجاء فيها ـ كما في «الصحاح» ـ { نعم } بكسر النون واتباع العين لها؛ وأشهر استعمالاتها ما عليه الجمهور.

السابقالتالي
2