الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ }

وقوله سبحانه:/ { جَنَّـٰتُ عَدْنٍ } بدل منعقبى الدار } [الرعد: 22] كما قال الزجاج بدل كل من كل، وجوز أبو البقاء وغيره أن يكون مبتدأ خبره قوله تعالى: { يَدْخُلُونَهَا } وتعقب بأنه بعيد عن المقام، والأولى أن يكون مبتدأ محذوف كما ذكر في «البحر» ورد بأنه لا وجه له لأن الجملة بيان لعقبى الدار فهو مناسب للمقام، والعدن الإقامة والاستقرار يقال: عدن بمكان كذا إذا استقر، ومنه المعدن لمستقر الجواهر أي جنات يقيمون فيها، وأخرج غير واحد عن ابن مسعود أنه قال: { جَنَّـٰتُ عَدْنٍ } بطنان الجنة أي وسطها، وروي نحو ذلك عن الضحاك إلا أنه قال: هي مدينة وسط الجنة فيها الأنبياء والشهداء وأئمة الهدى، وجاء فيها غير ذلك من الأخبار، ومتى أريد منها مكان مخصوص من الجنة كان البدل بدل بعض من كل. وقرأ النخعي { جَنَّةُ } بالإفراد، وروي عن ابن كثير وأبـي عمرو { يَدْخُلُونَهَا } مبنياً للمفعول.

{ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ ءابَائِهِمْ } جمع أبوي كل واحد منهم فكأنه قيل: من آبائهم وأمهاتهم { وَأَزْوٰجِهِمْ وَذُرّيَّـٰتِهِمْ } وهو كما قال أبو البقاء عطف على المرفوع في ـ يدخلون ـ وإنما ساغ ذلك مع عدم التأكيد للفصل بالضمير الآخر، وجوز أن يكون مفعولاً معه. واعترض بأن واو المعية لا تدخل إلا على المتبوع. ورد بأن هذا إنما ذكر في مع لا في الواو وفيه نظر، والمعنى أنه يلحق بهم من صلح من أهليهم وإن لم يبلغ مبلغ فضلهم تبعاً لهم تعظيماً لشأنهم. أخرج ابن أبـي حاتم وأبو الشيخ عن ابن جرير قال: يدخل الرجل الجنة فيقول: أين أمي أين ولدي أين زوجتي؟ فيقال: لم يعملوا مثل عملك فيقول: كنت أعمل لي ولهم ثم قرأ الآية، وفسر { من صلح } بمن آمن وهو المروي عن مجاهد وروي ذلك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وفسر ذلك الزجاج بمن آمن وعمل صالحاً، وذكر أنه تعالى بين بذلك أن الأنساب لا تنفع إذا لم يكن معها أعمال صالحة بل الآباء والأزواج والذرية لا يدخلون الجنة إلا بالأعمال الصالحة. ورد عليه الواحدي فقال: الصحيح ما روي عن ابن عباس لأن الله تعالى جعل ثواب المطيع سروره بحضور أهله معه في الجنة، وذلك يدل على أنهم يدخلونها كرامة للمطيع الآتي بالأعمال الصالحة فلو دخلوها بأعمالهم لم يكن في ذلك كرامة للمطيع ولا فائدة في الوعد به إذ كل من كان مصلحاً في عمله فهو يدخل الجنة. وضعف ذلك الإمام بأن المقصود بشارة المطيع بكل ما يزيده سروراً وبهجة فإذا بشر الله تعالى المكلف بأنه إذا دخل الجنة يحضر معه أهله يعظم سروره وتقوى بهجته.

السابقالتالي
2