الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ لِلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمُ ٱلْحُسْنَىٰ وَٱلَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ سُوۤءُ ٱلْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ }

{ لِلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ لِرَبّهِمُ } إذ دعاهم إلى الحق بفنون الدعوة التي من جملتها ضرب الأمثال فإن له لما فيه من تصوير المعقول بصورة المحسوس تأثيراً بليغاً في تسخير/ النفوس، والجار والمجرور خبر مقدم، وقوله سبحانه: { ٱلْحُسْنَىٰ } أي المثوبة الحسنى وهي الجنة كما قال قتادة وغيره، وعن مجاهد الحياة الحسنى أي الطيبة التي لا يشوبها كدر أصلاً. وعن ابن عباس أن المراد جزاء الكلمة الحسنى وهي لا إله إلا الله وفيه من البعد ما لا يخفى مبتدأ مؤخر { وَٱلَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُ } سبحانه وعاندوا الحق الجلي { لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا فِى ٱلأَرْضِ } من أصناف الأموال { جَمِيعاً } بحيث لم يشذ منه شاذ في أقطارها أو مجموعاً غير متفرق بحسب الأزمان { وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ } أي بالمذكور مما في الأرض ومثله معه جميعاً ليتخلصوا عما بهم، وفيه من تهويل ما يلقاهم ما لا يحيط به البيان، والموصول مبتدأ والجملة الشرطية خبره وهي على ما قيل واقعة موقع السوأى المقابلة للحسنى الواقعة في القرينة الأولى فكأنه قيل: وللذين لم يستجيبوا له السوأى. وتعقب بأن الشرطية وان دلت على سوء حالهم لكنها بمعزل عن القيام مقام لفظ السوأى مصحوباً باللام الجارة الداخلة على الموصول أو ضميره وعليه يدور حصول المرام؛ فالذي ينبغي أن يعول عليه أن الواقع في تلك المقابلة سوء الحساب في قوله تعالى:

{ أُوْلَـئِكَ لَهُمْ سُوء ٱلْحِسَـٰبِ } وحيث كان اسم الإشارة الواقع مبتدأ في هذه الجملة عبارة عن الموصول الواقع مبتدأ في الجملة السابقة كان خبره أعني الجملة الظرفية خبراً عن الموصول في الحقيقة ومبيناً لإبهام مضمون الشرطية الواقعة خبراً عنه أولا ولذلك ترك العطف فكأنه قيل: والذين لم يستجيبوا له لهم سوء الحساب وذلك في قوة أن يقال: وللذين لم يستجيبوا له سوء الحساب مع زيادة تأكيد فتم حسن المقابلة على أبلغ وجه وآكده. واعتذر بأنه يمكن أن يكون المراد أن { لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا فِى ٱلأَرْضِ جَمِيعاً } إلى آخر الآية واقع موقع ذلك على معنى أن رعاية حسن المقابلة لقوله تعالى: { لِلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ لِرَبّهِمُ ٱلْحُسْنَىٰ } تقتضي أن يقال: وللذين لم يستجيبوا له السوأى ولا يزاد على ذلك لكنه جيء بقوله سبحانه: { لَوْ أَنَّ لَهُمْ } الخ بدل ما ذكر، ولعل في كلام الطيبـي ما يستأنس به لذلك. وإلى اعتبار السوأى في المقابلة ذهب أيضاً صاحب " الكشف " قال: إن قوله تعالى: { لَوْ أَنَّ لَهُمْ } في مقابلة الحسنى بدل السوأى مع زيادة تصوير وتحسير، وأوثر الإِجمال في الأول دلالة على أن جزاء المستجيبين لا يدخل تحت الوصف فتدبر، والمراد بسوء الحساب أي الحساب السيء على ما روي عن إبراهيم النخعي والحسن أن يحاسبوا بذنوبهم كلها لا يغفر لهم منها شيء وهو المعنى بالمناقشة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8