الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُم بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ }



{ وَللَّهِ } وحده { يَسْجُدُ } يخضع وينقاد لا لشيء غيره سبحانه استقلالاً ولا اشتراكاً، فالقصر ينتظم القلب والإفراد { مَن فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } من الملائكة والثقلين كما يقتضيه ظاهر التعبير بمن، وتخصيص انقياد العقلاء مع كون غيرهم أيضاً كذلك لأنهم العمدة وانقيادهم دليل انقياد غيرهم على أن فيما سيأتي إن شاء الله تعالى بياناً لذلك، وقيل: المراد ما يشمل أولئك وغيرهم، والتعبير بمن للتغليب { طَوْعًا وَكَرْهًا } نصب على الحال، فإن قلنا بوقوع المصدر حالاً من غير تأويل فهو ظاهر وإلا فهو بتأويل طائعين وكارهين أي أنهم خاضعون لعظمته تعالى منقادون لإحداث ما أراد سبحانه فيهم من أحكام التكوين والإعدام شاؤوا أو أبوا من غير مداخلة حكم غيره جل وعلا بل غير حكمه تعالى في شيء من ذلك. وجوز أن يكون النصب على العلة فالكره بمعنى الإكراه وهو مصدر المبني للمفعول ليتحد الفاعل بناءً على اشتراط ذلك في نصب المفعول لأجله وهو عند من لم يشترط على ظاهره، وما قيل عليه من أن اعتبار العلية في الكره غير ظاهر لأنه الذي يقابل الطوع وهو الإباء ولا يعقل كونه علة للسجود فمدفوع بأن العلة ما يحمل على الفعل أو ما يترتب عليه لا ما يكون غرضاً له وقد مر عن قرب فتذكره، وقيل: النصب على المفعولية المطلقة أي سجود طوع وكره.

{ وَظِلَـٰلُهُم } أي وتنقاد له تعالى ظلال من له ذلك منهم وهم الإنس فقط أو ما يعمهم وكل كثيف. وفي «الحواشي الشهابية» ينبغي أن يرجع الضمير لمن في الأرض لأن من في السماء لا ظل له إلا أن يحمل على التغليب أو التجوز، ومعنى انقياد الظلال له تعالى أنها تابعة لتصرفه سبحانه ومشيئته في الامتداد والتقلص والفىء والزوال، وأصل الظل ـ كما قال الفراء ـ مصدر ثم أطلق على الخيال الذي يظهر للجرم، وهو إما معكوس أو مستو ويبنى على كل منهما أحكام ذكروها في محلها.

{ بِٱلْغُدُوّ وَٱلآصَالِ } ظرف للسجود المقدر والباء بمعنى في وهو كثير، والمراد بهما الدوام لأنه يذكر مثل ذلك للتأبيد، قيل: فلا يقال لم خص بالذكر؟ وكذا يقال: إذا كانا في موضع الحال من الظلال، وبعضهم يعلل ذلك بأن امتدادها وتقلصها في ذينك الوقتين أظهر. والغدو جمع غداة كقُنِيّ وقناة، والآصال جمع أصيل وهو ما بين العصر والمغرب، وقيل: هو جمع أصل جمع أصيل، وأصله أأصال بهمزتين فقلبت الثانية ألفاً، وقيل: الغدو مصدر وأيد بقراءة ابن مجلز { الإيصال } بكسر الهمزة على أنه مصدر آصلنا بالمد أي دخلنا في الأصيل كما قاله ابن جني هذا، وقيل: إن المراد حقيقة السجود فإن الكفرة حالة الاضطرار وهو المعنى بقوله تعالى: { وَكَرْهًا } يخصون السجود به سبحانه قال تعالى:

السابقالتالي
2