الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ لَهُ دَعْوَةُ ٱلْحَقِّ وَٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى ٱلْمَآءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَآءُ ٱلْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ }



{ لَهُ } أي لله تعالى { دَعْوَةُ ٱلْحَقّ } أي الدعاء والتضرع الثابت الواقع في محله المجاب عند وقوعه، والإضافة للإيذان بملابسة الدعوة للحق واختصاصها به وكونها بمعزل من شائبة البطلان والضلال والضياع كما يقال: كلمة الحق؛ والمراد أن إجابة ذلك له تعالى دون غيره، ويؤيده ما بعد كما لا يخفى وقيل: المراد بدعوة الحق الدعاء عند الخوف فإنه لا يدعى فيه إلا الله تعالى كما قال سبحانه:ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلا إِيَّاهُ } [الإسراء: 67] وزعم الماوردي أن هذا أشبه بسياق الآية، وقيل: الدعوة بمعنى الدعاء أي طلب الإقبال، والمراد به العبادة للاشتمال، والإضافة على طرز ما تقدم، وبعضهم يقول: إن هذه الإضافة من إضافة الموصوف إلى الصفة والكلام فيها شهير، وحاصل المعنى أن الذي يحق أن يعبد هو الله تعالى دون غيره.

ويفهم من كلام البعض ـ على ما قيل ـ أن الدعوة بمعنى الدعاء ومتعلقها محذوف أي للعبادة، والمعنى أنه الذي يحق أن يدعى إلى عبادته دون غيره، ولا يخفى ما بين المعنيين من التلازم فإنه إذا كانت الدعوة إلى عبادته سبحانه حقاً كانت عبادته جل شأنه حقاً وبالعكس، وعن الحسن أن المراد من الحق هو الله تعالى، وهو ـ كما في «البحر» ـ ثاني الوجهين اللذين ذكرهما الزمخشري، والمعنى عليه كما قال: له دعوة المدعو الحق الذي يسمع فيجيب، والأول ما أشرنا إليه أولاً وجعل الحق فيه مقابل الباطل.

وبين صاحب " الكشف " حاصل الوجهين بأن الكلام مسوق لاختصاصه سبحانه بأن يدعى ويعبد رداً لمن يجادل في الله تعالى ويشرك به سبحانه الأنداد ولا بد من أن يكون في الإضافة إشعار بهذا الاختصاص، فإن جعل الحق في مقابل الباطل فهو ظاهر، وإن جعل اسماً من أسمائه تعالى كان الأصل لله دعوته تأكيداً للاختصاص من اللام والإضافة ثم زيد ذلك بإقامة الظاهر مقام المضمر معاداً بوصف ينبـىء عن اختصاصها به أشد الاختصاص فقيل: له دعوة المدعو الحق والحق من أسمائه سبحانه يدل على أنه الثابت بالحقيقة وما سواه باطل من حيث هو وحق بتحقيقه تعالى إياه فيتقيد بحسب كل مقام للدلالة على أن مقابله لا حقيقة له، وإذا كان المدعو من دونه بطلانه لعدم الاستجابة فهو الحق الذي يسمع فيجيب انتهى.

وبهذا سقط ما قاله أبو حيان في الاعتراض على الوجه الثاني من أن مآله إلى الله دعوة الله وهو نظير قولك: لزيد دعوة زيد ولا يصح ذلك، واستغنى عما قال العلامة الطيبـي/ في تأويله: من أن المعنى ولله تعالى الدعوة التي تليق أن تنسب وتضاف إلى حضرته جل شأنه لكونه تعالى سميعاً بصيراً كريماً لا يخيب سائله فيجيب الدعاء فإن ذلك كما ترى قليل الجدوى.

السابقالتالي
2 3 4