الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ ٱللَّهُ بِقَوْمٍ سُوۤءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ }

{ لَهُ } الضمير راجع إلى من تقدم ممن أسر بالقول وجهر به إلى آخره باعتبار تأويله بالمذكور وإجرائه مجرى اسم الإشارة وكذا المذكورة بعده { مُعَقّبَـٰتٌ } ملائكة تعتقب في حفظه وكلائته جمع معقبة من عقب مبالغة في عقبه إذا جاء على عقبه واصله من العقب وهو مؤخر الرجل ثم تجوز به عن كون الفعل بغير فاصل ومهلة/ كأن أحدهم يطأ عقب الآخر، فالتفعيل للتكثير وهو إما في الفاعل أو في الفعل لا للتعدية لأن ثلاثيه متعد بنفسه، ويجوز أن يكون إطلاق المعقبات على الملائكة عليهم السلام باعتبار أنهم يعقبون أقوال الشخص وأفعاله أي يتبعونها ويحفظونها بالكتابة. وقال الزمخشري: إن أصله معتقبات فهو من باب الافتعال فأدغمت التاء في القاف كقوله تعالى:وَجَاء ٱلْمُعَذّرُونَ } [التوبة: 90] أي المعتذرون. وتعقب بأنه وهم فاحش فإن التاء لا تدغم في القاف من كلمة أو كلمتين، وقد نص الصرفيون على أن القاف والكاف كل منهما لا يدغم في الآخر ولا يدغمان في غيرهما، والتاء في معقبة للمبالغة كتاء ـ نسابة ـ لأن الملائكة عليهم السلام غير مؤنثين، وقيل: هي للتأنيث بمعنى أن معقبة صفة جماعة منهم، فمعنى معقبات جماعات كل جماعة منها معقبة وليس معقبة جمع معقب، وذكر الطبري أنه جمعه وشبه ذلك برجل ورجال ورجالات وهو كما ترى لكن أوله أبو حيان بأنه أراد بقوله: جمع معقب أنه أطلق من حيث الاستعمال على جمع معقب وإن كان أصله أن يطلق على مؤنث معقب فصار مثل الواردة للجماعة الذين يردون وإن كان أصله أن يطلق على مؤنث وارد؛ وتشبيه ذلك بما ذكر من حيث المعنى لا من حيث صناعة النحو، فبين أن معقبة من حيث أريد به الجمع كرجال من حيث وضع للجمع وإن معقبات من حيث استعمل جمعاً لمعقبة المستعمل في الجمع كرجالات الذي هو جمع رجال. وقرأ أبـي وإبراهيم { معاقيب } وهو جمع كما قال الزمخشري جمع معقب أو معقبة بتشديد القاف فيهما والياء عوض من حذف إحدى القافين في التكسير، وقال ابن جني: إنه تكسير معقب كمطعم ومطاعيم ومقدم ومقاديم كأنه جمع على معاقبة ثم حذفت الهاء من الجمع وعوضت الياء عنها ولعله الأظهر، وقرىء { معتقبات } من اعتقب { مّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ } متعلق بمحذوف وقع صفة لمعقبات أو حالاً من الضمير في الظرف الواقع خبراً له، فالمعنى أن المعقبات محيطة بجميع جوانبه أو هو متعلق بمعقبات و { مِنْ } لابتداء الغاية، فالمعنى أن المعقبات تحفظ ما قدم وأخر من الأعمال أي تحفظ جميع أعماله، وجوز أن يكون متعلقاً بقوله تعالى: { يَحْفَظُونَهُ } والجملة صفة معقبات أو حال من الضمير في الظرف.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8