الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ يَغْفِرُ ٱللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ }

{ قَالَ لاَ تَثْرَيبَ } أي لا تأنيب ولا لوم { عَلَيْكُمُ } وأصله من الثرب وهو الشحم الرقيق في الجوف وعلى الكرش، وصيغة التفعيل للسلب أي إزالة الثرب كالتجليد والتقريع بمعنى إزالة الجلد والقرع، واستعير للوم الذي يمزق الأعراض ويذهب بهاء الوجه لأنه بإزالة الشحم يبدو الهزال وما لا يرضى كما أنه باللوم تظهر العيوب فالجامع بينهما طريان النقص بعد الكمال وإزالة ما به الكمال والجمال وهو اسم { لا } و { عَلَيْكُمُ } متعلق بمقدر وقع خبراً، وقوله تعالى: { ٱلْيَوْمَ } متعلق بذلك الخبر المقدر أو بالظرف أي لا تثريب مستقر عليكم اليوم، وليس التقييد به لإفادة وقوع التثريب في غيره فإنه عليه السلام إذا لم يثرب أول لقائه واشتعال ناره فبعده بطريق الأولى. وقال المرتضى: إن { ٱلْيَوْمَ } موضوع موضع الزمان كله كقوله:
اليوم يرحمنا من كان يغبطنا   واليوم نتبع من كانوا لنا تبعاً
كأنه أريد بعد اليوم، وجوز الزمخشري تعلقه ـ بتثريب ـ وتعقبه أبو حيان قائلاً: لا يجوز ذلك لأن التثريب مصدر وقد فصل بينه وبين معموله ـ بعليكم ـ وهو إما خبر أو صفة ولا يجوز الفصل بينهما بنحو ذلك لأن/ معمول المصدر من تمامه، وأيضاً لو كان متعلقاً به لم يجز بناؤه لأنه حينئذٍ من قبيل المشبه بالمضاف وهو الذي يسمى المطول والممطول فيجب أن يكون معرباً منوناً، ولو قيل: الخبر محذوف و { عَلَيْكُمُ } متعلق بمحذوف يدل عليه تثريب وذلك المحذوف هو العامل في { ٱلْيَوْمَ } والتقدير لا تثريب يثرب عليكم اليوم كما قدروا فيلاَ عَاصِمَ ٱلْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ } [هود: 43] أي لا عاصم يعصم اليوم لكان وجهاً قوياً لأن خبر { لا } إذا علم كثر حذفه عند أهل الحجاز ولم يلفظ به بنو تميم، وكذا منع ذلك أبو البقاء وعلله بلزوم الإعراب والتنوين أيضاً، واعترض بأن المصرح به في متون النحو بأن شبيه المضاف سمع فيه عدم التنوين نحو لا طالع جبلاً ووقع في الحديث " لا مانع لما أعطيت ولا معطى لما منعت " باتفاق الرواة فيه وإنما الخلاف فيه هل هو مبني أو معرب ترك تنوينه، وفي " التصريح " نقلاً عن " المغني " أن نصب الشبيه بالمضاف وتنوينه هو مذهب البصريين، وأجاز البغداديون لا طالع جبلاً بلا تنوين أجروه في ذلك مجرى المضاف كما أجروه مجراه في الإعراب وعليه يتخرج الحديث «لا مانع» الخ. فيمكن أن يكون مبني ما قاله أبو حيان وغيره مذهب البصريين، والحديث المذكور لا يتعين ـ كما قال الدنوشري أخذاً من كلام المغني في الجهة الثانية من الباب الخامس ـ حمله على ما ذكر لجواز كون اسم { لا } فيه مفرداً واللام متعلقة بالخبر والتقدير لا مانع مانع لما أعطيت وكذا فيما بعده.

السابقالتالي
2 3