الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُواْ تَاللهِ تَفْتَؤُاْ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّىٰ تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ ٱلْهَالِكِينَ }

{ قَالُواْ } أي الإخوة وقيل غيرهم من أتباعه عليهم السلام { تَالله تَفْتَؤُاْ } أي لا تفتأ ولا تزال { تَذْكُرُ يُوسُفَ } تفجعاً عليه فحذف حرف النفي كما في قوله:
فقلت يمين الله أبرح قاعداً   ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي
لأن القسم إذا لم يكن معه علامة الإثبات كان على النفي وعلامة الإثبات هي اللام ونون التأكيد وهما يلزمان جواب القسم المثبت فإذا لم يذكرا دل على أنه منفي لأن المنفى لا يقارنهما ولو كان المقصود هٰهنا الإثبات لقيل لتفتأن، ولزوم اللام والنون مذهب البصريين، وقال الكوفيون والفارسي: يجوز الاقتصار على أحدهما وجاء الحذف فيما إذا كان الفعل حالا كقراءة ابن كثيرلأُقْسِمُ بِيَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ } [القيامة: 1] وقوله:
لأبغض كل أمرىء   يزخرف قولاً ولا يفعل
ويتفرع على هذا مسألة فقهية وهي أنه إذا قال: والله أقوم يحنث إذا قام وإن لم يقم لا، ولا فرق بين كون القائل عالماً بالعربية أو لا على ما أفتى به خير الدين الرملي، وذكر أن الحلف بالطلاق كذلك فلو قال: عليَّ الطلاق بالثلاث تقومين الآن تطلق إن قامت ولا تطلق إن لم تقم، وهذه المسألة مهمة لا بأس بتحقيق الحق فيها وإن أدّى إلى الخروج عما نحن بصدده فنقول: قال غير واحد: إن العوام لو أسقطوا اللام والنون في جواب القسم المثبت المستقبل فقال أحدهم: والله أقوم مثلاً لا يحنث بعدم القيام فلا كفارة عليه، وتعقبه المقدسي بأنه ينبغي أن تلزمهم الكفارة لتعارفهم الحلف كذلك، ويؤيده ما في " الظهيرية " أنه لو سكن الهاء أو نصب في بالله يكون يميناً مع أن العرب ما نطقت بغير الجر، وقال أيضاً: إنه ينبغي أن يكون ذلك يميناً وإن خلا من اللام والنون، ويدل عليه قوله في " الولوالجية ": سبحان الله أفعل لا إله إلا الله أفعل كذا ليس بيمين إلا أن ينويه، واعترضه الخير الرملي بأن ما نقله لا يدل لمدعاه، أما الأول فلأنه تغيير إعراب لا يمنع المعنى الموضوع فلا يضر التسكين والرفع والنصب لما تقرر من أن اللحن لا يمنع الانعقاد، وأما الثاني فلأنه ليس من المتنازع فيه إذ هو الإثبات والنفي لا أنه يمين، وقد نقل ما ذكرناه عن المذهب والنقل يجب اتباعه، ونظر فيه. أما أولاً فبأن اللحن كما في " المصباح " وغيره الخطأ في العربية، وأما ثانياً فبأن ما في " الولوالجية " من المتنازع فيه فإنه أتى بالفعل المضارع مجرداً من اللام والنون وجعله يميناً مع النية ولو كان على النفي لوجب أن يقال: إنه مع النية يمين على عدم الفعل كما لا يخفى، وإنما اشترط في ذلك النية لكونه غير متعارف.

السابقالتالي
2 3 4