الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ إِلاَّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }

{ وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم } من الأبواب المتفرقة من البلد، قيل: كانت له أربعة أبواب فدخلوا منها، وإنما اكتفى بذكره لاستلزامه الانتهاء عما نهوا عنه،/ وحاصله لما دخلوا متفرفين { مَا كَانَ } ذلك الدخول { يُغْنِى عَنْهُمْ مّنَ ٱللَّهِ } من جهته سبحانه { مِن شَىْء } أي شيئاً مما قضاه عليهم جل شأنه، والجملة قيل: جواب { لمّاً } والجمع بين صيغتي الماضي والمستقبل لتحقق المقارنة الواجبة بين جواب { لمّاً } ومدخولها، فإن عدم الإغناء بالفعل إنما يتحقق عند نزول المحذور لا وقت الدخول وإنما المتحقق حينئذ ما أفاده الجمع المذكور من عدم كون الدخول مغنياً فيما سيأتي، وليس المراد بيان سببية الدخول المذكور لعدم الإغناء كما في قوله تعالى:فَلَمَّا جَاءهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إلا نفوراً } [فاطر: 42] فإن مجيء النذير هناك سبب لزيادة نفورهم بل بيان عدم سببيته للإغناء مع كونها متوقعة في بادىء الرأي حيث أنه وقع حسبما وصاهم به عليه السلام، وهو نظير قولك: حلف أن يعطيني حقي عند حلول الأجل فلما حل لم يعطيني شيئاً، فإن المراد بيان عدم سببية حلول الأجل للإعطاء مع كونها مرجوة بموجب الحلف لا بيان سببيته لعدم الإعطاء، فالمآل بيان عدم ترتب الغرض المقصود على التدبير المعهود مع كونه مرجو الوجود لا بيان ترتب عدمه عليه، ويجوز أن يراد ذلك أيضاً بناء على ما ذكره عليه السلام في تضاعيف وصيته من أنه لا يغنى عنهم تدبيره من الله تعالى شيئاً فكأنه قيل: ولما فعلوا ما وصاهم به لم يفدهم ذلك شيئاً ووقع الأمر حسبما قال عليه السلام فلقوا ما لقوا فيكون من باب وقوع المتوقع اهـ.

وإلى كون الجواب ما ذكر ذهب أبو حيان وقال: إن فيه حجة لمن زعم أن ـ لما ـ حرف وجوب لوجوب لا ظرف زمان بمعنى حين إذ لو كان كذلك ما جاز أن يكون معمولاً لما بعد { مَا } النافية، ولعل من يذهب إلى ظرفيتها يجوز ذلك بناء على أن الظرف يتوسع فيه ما لا يتوسع في غيره، وقال أبو البقاء: في جواب (لما) وجهان. أحدهما أنهآوَىۤ } [يوسف: 69] وهو جواب (لما) الأولى والثانية كقولك: لما جئتك وكلمتك أجبتني وحسن ذلك أن دخولهم على يوسف عليه السلام تعقب دخولهم من الأبواب. والثاني أنه محذوف أي امتثلوا أو قضوا حاجة أبيهم وإلى الوجه الأخير ذهب ابن عطية أيضاً ولا يخفى أنه عليه وعلى ما قبله ترتفع غائلة توجيه أمر الترتب، وما أشار إليه صاحب القيل في ثاني وجهيه هو الذي يقتضيه ظاهر كلام كثير من المفسرين حيث ذكروا أن هذا منه تعالى تصديق لما أشار إليه يعقوب عليه السلام في قوله:

السابقالتالي
2 3 4 5