الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ يٰبَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَٱدْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ وَمَآ أُغْنِي عَنكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُتَوَكِّلُونَ }

{ وَقَالَ } ناصحاً لهم لما عزم على إرسالهم جميعاً { يٰبَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ } مصر { مِن بَابٍ وَاحِدٍ } نهاهم عليه السلام عن ذلك حذراً من إصابة العين فإنهم كانوا ذوي جمال وشارة حسنة وقد اشتهروا بين أهل مصر بالزلفى والكرامة التي لم تكن لغيرهم عند الملك فكانوا مظنة لأن يعانوا إذا دخلوا كوكبة واحدة، وحيث كانوا مجهولين مغمورين بين الناس لم يوصهم بالتفرق في المرة الأولى، وجوز أن يكون خوفه عليه السلام عليهم من العين في هذه الكرة بسبب أن فيهم محبوبه وهو بنيامين الذي يتسلى به عن شقيقه يوسف عليه السلام ولم يكن فيهم في المرة الأولى فأهمل أمرهم ولم يحتفل بهم لسوء صنيعهم في يوسف، والقول أنه عليه السلام نهاهم عن ذلك أن يستراب بهم لتقدم قول أنتم جواسيس ليس بشيء أصلاً، ومثله ما قيل: إن ذلك كان طمعاً أن يتسمعوا خبر يوسف عليه السلام؛ والعين حق كما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصح أيضاً بزيادة " ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين " و " إذا استغسلتم فاغتسلوا " وقد ورد أيضاً: «إن العين لتدخل الرجل القبر والجمل القدر» وقد كان صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسنين رضي الله عنهما بقوله: " أعوذ بكلمات الله تعالى التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة " وكان يقول: " كان أبوكما يعوذ بهما إسماعيل وإسحٰق عليهم السلام "

ولبعضهم في هذا المقام كلام مفصل مبسوط لا بأس بإطلاعك عليه، وهو أن تأثير شيء في آخر إما نفساني أو جسماني وكل منهما إما في نفساني أو جسماني، فالأنواع أربعة يندرج تحتها ضروب الوحي والمعجزات/ والكرامات والإلهامات والمنامات وأنواع السحر والأعين والنيرنجات ونحو ذلك. أما النوع الأول: أعني تأثير النفساني في مثله ـ فكتأثير المبادى العالية في النفوس الإنسانية بإفاضة العلوم والمعارف، ويندرج في ذلك صنفان: أحدهما: ما يتعلق بالعلم الحقيقي بأن يلقى إلى النفس المستعدة لذلك كمال العلم من غير واسطة تعليم وتعلم حتى تحيط بمعرفة حقائق الأشياء على ما هي عليه بحسب الطاقة البشرية كما ألقي إلى نبينا صلى الله عليه وسلم علوم الأولين والآخرين مع أنه عليه الصلاة والسلام ما كان يتلو من قبل كتاباً ولا يخطه بيمينه.

وثانيهما: ما يتعلق بالتخيل القوي بأن يلقى إلى من يكون مستعداً له ما يقوى به على تخيلات الأمور الماضية والإطلاع على المغيبات المستقبلة، والمنامات والإلهامات داخلة أيضاً تحت هذا النوع، وقد يدخل تحته نوع من السحر وهو تأثير النفوس البشرية القوية فيها قوتا التخيل والوهم في نفوس بشرية أخرى ضعيفة فيها هاتان القوتان كنفوس البله والصبيان والعوام الذين لم تقو قوتهم العقلية فتتخيل ما ليس بموجود في الخارج موجوداً فيه وما هو موجود فيه على ضد الحال الذي هو عليها؛ وقد يستعان في هذا القسم من السحر بأفعال وحركات يعرض منها للحس حيرة وللخيال دهشة ومن ذلك الاستهتار في الكلام والتخليط فيه.

السابقالتالي
2 3 4 5 6