الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلأَجْرُ ٱلآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ }

قد وضع فيه الموصول موضع ضميرٱلْمُحْسِنِينَ } [يوسف: 56] وجمع بين صيغتي الماضي والمستقبل تنبيهاً على ذلك، والمعنى ولأجرهم في الآخرة خير، والإضافة/ فيه للملابسة، وجعل في تعقيب الجملة المثبتة بالجملة المنفية إشعار بأن مدار المشيئة المذكورة إحسان من تصيبه الرحمة المذكورة، وفي ذكر الجملة الثالثة المؤكدة بعد دفع توهم انحصار ثمرات الإحسان فيما ذكر من الأجر العاجل، ويفهم من ذلك أن المراد ـ ممن نشاء ـ من نشاء أن نصيبه بالرحمة من عبادنا الذين آمنوا واستمروا على التقوى. وتعقب بأنه خلاف الظاهر، ولعل الظاهر حملمِنْ } [يوسف: 56] على ما هو أعم مما ذكر وحينئذٍ لا يبعد أن يراد بالرحمة النعمة التي لا تكون في مقابلة شيء من الأعمال وبالأجر ما كان في مقابلة شيء من ذلك، ويبقى أمر وضع الموصول موضع الضمير على حاله كأنه قيل: نتفضل على من نشاء من عبادنا كيف كانوا وننعم عليهم بالملك والغنى وغيرهما لا في مقابلة شيء ونوفي أجور المؤمنين المستمرين على التقوى منهم ونعطيهم في الدنيا ما نعطيهم في مقابلة إيمانهم واستمرارهم على التقوى وما نعطيهم في مقابلة ذلك في الآخرة من النعيم العظيم المقيم خير لهم مما نعطيهم في الدنيا لعظمه ودوامه.

واعترض بأن فيه إطلاق الرحمة على ما يصيب الكافر من نحو الملك والغنى مع أنه ليس برحمة كما يشعر به كثير من الآيات ويقتضيه قولهم: ليس لله تعالى نعمة على كافر. وأجيب بأن قولهم: في (الرحمن) أنه الذي يرحم المؤمن والكافر في الدنيا ظاهر في صحة إطلاق الرحمة على ما يصيب الكافر من ذلك، وكذا قوله تعالى:وَمَا أَرْسَلْنَـٰكَ إِلاَّ رَحْمَةً لّلْعَـٰلَمِينَ } [الأنبياء: 107] ظاهر في صحة القول بكون الكافر مرحوماً في الجملة وأمر الإشعار سهل، وقولهم: ليس لله تعالى نعمة على كافر إنما قاله البعض بناءاً على أخذ ـ يحمد عاقبتها ـ في تعريفها. وإن أبيت ولا أظن فلم لا يجوز أن يقال: إنه عبر عما ذكر بالرحمة رعاية لجانب من اندرج في عموممِنْ } [يوسف: 56] من المؤمنين.

نعم يرد على تفسير الرحمة هنا بالنعمة التي لا تكون في مقابلة شيء من الأعمال والأجر بما كان ما روي عن سفيان بن عيينة أنه قال: المؤمن يثاب على حسناته في الدنيا والآخرة والفاجر يعجل له الخير في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق وتلا الآية فإنه ظاهر في أن ما يصيب الكافر مما تقدم في مقابلة عمل له وأن في الآية ما يدل على ذلك وليس هو إلانُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاء } [يوسف: 56] وقد يجاب بأنه لعله حملٱلْمُحْسِنِينَ } [يوسف: 56] على ما يشمل الكفار الفاعلين لما يحسن كصلة الرحم ونصرة المظلوم وإطعام الفقير ونحو ذلك، فحصر الدلالة فيما ذكر ممنوع نعم إن هذا الأثر يعكر على التفسير السابق عكراً بيناً إذ الآية عليه لا تعرض فيها للكافر أصلاً فلا معنى لتلاوتها إثر ذلك الكلام.

السابقالتالي
2