الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَآ أُبَرِّىءُ نَفْسِيۤ إِنَّ ٱلنَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِٱلسُّوۤءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيۤ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

{ وَمَا أُبَرّىء نَفْسِى } أي لا أنزهها عن السوء قال ذلك عليه السلام: هضماً لنفسه البرية عن كل سوء وتواضعاً لله تعالى وتحاشياً عن التزكية والإعجاب بحالها على أسلوب قوله صلى الله عليه وسلم: " أنا سيد ولد آدم ولا فخر " أو تحديثاً بنعمة الله تعالى وإبرازاً لسره المكنون في شأن أفعال العباد أي لا أنزهها من حيث هي ـ هي ـ ولا أسند هذه الفضيلة إليها بمقتضى طبعها من غير توفيق من الله سبحانه بل إنما ذلك بتوفيقه جل شأنه ورحمته، وقيل: إنه أشار بذلك إلى أن عدم التعرض لم يكن لعدم الميل الطبيعي بل لخوف الله تعالى: { أَنَّ ٱلنَّفْسَ } البشرية التي من جملتها نفسي في حد ذاتها { لامَّارَةٌ } لكثيرة الأمر { بِٱلسُّوء } أي بجنسه، والمراد أنها كثيرة الميل إلى الشهوات مستعملة في تحصيلها القوى والآلات. وفي كثير من التفاسير أنه عليه السلام حين قال:لِيَعْلَمَ أَنّى لَمْ أَخُنْهُ بِٱلْغَيْبِ } [يوسف: 52] قال له جبريل عليه السلام: ولا حين هممت؟ فقال: { وَمَا أُبَرّىء نَفْسِى } الخ، وقد أخرجه الحاكم في " تاريخه " وابن مردويه بلفظ قريب من هذا عن أنس مرفوعاً، وروي ذلك عن ابن عباس وحكيم بن جابر والحسن وغيرهم، وهو إن صح يحمل الهم فيه على الميل الصادر عن طريق الشهوة البشرية لا عن طريق العزم والقصد، وقيل: لا مانع من أن يحمل على الثاني ويقال: إنه صغيرة وهي تجوز على الأنبياء عليهم السلام قبل النبوة، ويلتزم أنه عليه السلام لم يكن إذ ذاك نبياً. والزمخشري جعل ذلك وما أشبهه من تلفيق المبطلة وبهتهم على الله تعالى ورسوله، وارتضاه وهو الحري بذلك ابن المنير وعرض بالمعتزلة بقوله: وذلك شأن المبطلة من كل طائفة.

{ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبّى } قال ابن عطية: الجمهور على أن الاستثناء منقطع و { مَا } مصدرية أي لكن رحمة ربـي هي التي تصرف عنها السوء على حد ما جوز في قوله سبحانه:وَلاَ هُمْ يُنقَذُونَ * إِلاَّ رَحْمَةً مّنَّا } [يس: 43-44] وجوز أن يكون استثناء من أعم الأوقات و { مَا } مصدرية ظرفية زمانية أي هي أمارة بالسوء في كل وقت إلا في وقت رحمة ربـي وعصمته، والنصب على الظرفية لا على الاستثناء كما توهم، لكن فيه التفريغ في الإثبات والجمهور على أنه لا يجوز إلا بعد النفي أو شبهه. نعم أجازه بعضهم في الإثبات إن استقام المعنى كقرأت إلا يوم الجمعة. وأورد على هذا بأنه يلزم عليه كون نفس يوسف وغيره من الأنبياء عليهم السلام مائلة إلى الشهوات في أكثر الأوقات إلا أن يحمل ذلك على ما قبل النبوة بناءاً على جواز ما ذكر قبلها أو يراد جنس النفس لا كل واحدة.

السابقالتالي
2 3