الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوۤءٍ قَالَتِ ٱمْرَأَتُ ٱلْعَزِيزِ ٱلآنَ حَصْحَصَ ٱلْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدْتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ ٱلصَّادِقِينَ }

{ قَالَ } استئناف مبني على السؤال كما سبق كأنه قيل: فما كان بعد ذلك؟ فقيل: قال الملك إثر ما بلغه الرسول الخبر وأحضرهن: { مَا خَطْبُكُنَّ } أي شأنكن، وأصله الأمر العظيم الذي يحق لعظمته أن يكثر فيه التخاطب ويخطب له { إذْ راوَدتُّنَّ يُوسُفَ } وخادعتنه { عَن نَّفْسه } ورغبتنه في طاعة مولاته هل وجدتن فيه ميلاً إليكن؟ { قُلْنَ حَٰشَ للَّهِ } تنزيهاً له وتعجيباً من نزاهته عليه السلام وعفته { مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوۤءٍ } بالغن في نفي جنس السوء عنه بالتنكير وزيادة { مِن }. وفي " الكشف " في توجيه كون السؤال المقدر في نظم الكلام عن وجدانهن فيه الميل، وذلك لأنه سؤال عن شأنهن معه عند المراودة، وأوله الميل ثم ما يترتب عليه، وحمله على السؤال يدعي النزاهة الكلية فيكون سؤال الملك منزلاً عليه إذ لا يمكن ما بعده إلا إذا سلم الميل، وجوابهن عليه ينطبق لتعجبهن عن نزاهته بسبب التعجب من قدرة الله تعالى على خلق عفيف مثله ليكون التعجب منها على سبيل الكناية فيكون أبلغ وأبلغ، ثم نفيهن العلم مطلقاً وطرفاً أي طرف دهم من سوء أن سوء فضلاً عن شهود الميل معهن اهـ، وهو من الحسن بمكان. وما ذكره ابن عطية - من أن النسوة قد أجبن بجواب جيد يظهر منه براءة أنفسهن جملة وأعطين يوسف عليه السلام بعض براءة وذلك أن الملك لما قررهن أنهن راودنه قلن جواباً عن ذلك وتنزيهاً لأنفسهن: { حَاشَ للَّهِ } ويحتمل أن يكون في جهته عليه السلام، وقولهن: { مَا عَلِمْنَا } الخ ليس بإبرام تام، وإنما هو شرح القصة على وجهها حتى يتقرر الخطأ في جهتهن - ناشئ عن الغفلة عما قرره المولى صاحب " الكشف ". { قَالَتِ ٱمْرَأَتُ ٱلْعَزِيزِ } وكانت حاضرة المجلس، قيل: أقبلت النسوة عليها يقررنها، وقيل: خافت أن يشهدن عليها بما قالت يوم قطعن أيديهن فأقرت قائلة: { ٱلآنَ حَصْحَصَ ٱلْحَقُّ } أي ظهر وتبين بعد خفاء قاله الخليل، وهو مأخوذ من الحصة وهي القطعة من الجملة أي تبينت حصة الحق من حصة الباطل، والمراد تميز هذا عن هذا، وإلى ذلك ذهب الزجاج أيضاً، وقيل: هو من حص شعره إذا استأصله بحيث ظهرت بشرة رأسه، وعلى ذلك قوله:
قد حصت البيضة رأسي فما   أطعم نوماً غير تهجاع
ويرجع هذا إلى الظهور أيضاً، وقيل: هو من حصحص البعير إذا ألقى مباركه ليناخ، قال حميد بن ثور الهلالي يصف بعيراً:
فحصحص في صم الصفا ثفناته   وناء بسلمى نوءة ثم صمما
والمعنى الآن ثبت الحق واستقر. وذكر الراغب وغيره أن حص وحصحص ككف وكفكف وكب وكبكب. وقرئ بالبناء للمفعول على معنى أقر الحق في مقره ووضع في موضعه.

السابقالتالي
2 3