الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذٰلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ ٱلنَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ }

{ ثُمَّ يَأتي من بَعْد ذَلكَ } أي السنين الموصوفة بما ذكر من الشدة وأكل المدخر من الحبوب { عَامٌ } هو كالسنة لكن كثيراً ما يستعمل فيما فيه الرخاء والخصب، والسنة فيما فيه الشدة والجدب ولهذا يعبر عن الجدب بالسنة، وكأنه تحاشياً عن ذلك وتنبيهاً من أول الأمر على اختلاف الحال بينه وبين السوابق عبر به دون السنة { فيه يُغَاثُ النَّاسُ } أي يصيبهم غيث أي مطر كما قال ابن عباس ومجاهد والجمهور فهو من غاث الثلاثي اليائي، ومنه قول الأعرابية: / غثنا ما شئنا؛ وقول بعضهم أذى البراغيث إذا البُرُّ أُغيث، وقيل: هو من الغوث أي الفرج، يقال: أغاثنا الله تعالى إذا أمدّنا برفع المكاره حين أظلتنا فهو رباعي واوي { وَفيه يَعْصرُونَ } من العصر المعروف أي يعصرون ما من شأنه أن يعصر من العنب والقصب والزيتون و السمسم ونحوها من الفواكه لكثرتها. والتعرض لذكره كما قال بعض المحققين مع جواز الاكتفاء عنه بذكر الغيث المستلزم له عادة كما اكتفى به عن ذكر تصرفهم في الحبوب: إما لأن استلزام الغيث له ليس كاستلزامه للحبوب إذ المذكورات يتوقف صلاحها على أمور أخرى غير المطر، وإما لمراعاة جانب المستفتي باعتبار حالته الخاصة به بشارة له، وهي التي يدور عليها حسن موقع تغليبه على الناس في قراءة حمزة والكسائي بالفوقانية. وعن ابن عباس تفسير ذلك بيحلبون وكأنه مأخوذ من العصر المعروف لأن في الحلب عصر الضرع ليخرج الدر. وتكرير (فيه) إما كما قيل: للإشعار باختلاف [أوقات] ما يقع فيه زماناً وعنواناً، وإما لأن المقام مقام تعداد منافع ذلك العام، ولأجله قدم في الموضعين على العامل فإن المقام بيان أنه يقع في ذلك العام هذا وذاك لا بيان أنهما يقعان في ذلك العام كما يفيده التأخير، وجوز أن يكون التقديم للقصر على معنى أن غيثهم في تلك السنين كالعدم بالنسبة إلى عامهم ذلك وأن يكون ذلك في الأخير لمراعاة الفواصل، وفي الأول لرعاية حاله.

وقرأ جعفر بن محمد رضي الله تعالى عنهما والأعرج وعيسى البصرة (يعصرون) على البناء للمفعول، وعن عيسى - تعصرون - بالفوقانية مبنياً للمفعول أيضاً من عصره الله تعالى إذا أنجاه أي ينجيهم الله سبحانه مما هم فيه من الشدة، وهو مناسب لقوله: { يُغَاثُ ٱلنَّاسُ } وعن أبي عبيدة وغيره أخذ المبني للفاعل من العصر بمعنى النجاة أيضاً، وفي " البحر " تفسير العصر والعصرة بالضم بالمنجاة وأنشد قول أبي زبيد في عثمان رضي الله تعالى عنه:
صادياً يستغيث غير مغاث   ولقد كان عصرة المنجود
وقال ابن المستنير معناه يمطرون من أعصرت السحابة عليهم أي حان وقت عصر الرياح لها لتمطر فعلى صلة الفعل كما في عصرت الليمون على الطعام فحذفت وأوصل الفعل بنفسه أو تضمن أعصرت معنى مطرت فتعدى تعديته.

السابقالتالي
2