الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰصَاحِبَيِ ٱلسِّجْنِ أَمَّآ أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَأَمَّا ٱلآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ ٱلطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ قُضِيَ ٱلأَمْرُ ٱلَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ }

{ يٰصَاحِبَيِ ٱلسِّجْنِ أَمَّآ أَحَدُكُمَا } أراد به الشرابي، وإنما لم يعينه عليه السلام ثقة بدلالة التعبير مع ما فيه من رعاية حسن الصحبة { فَيَسْقي رَبَّهُ } أي سيده { خَمْراً } روي أنه عليه السلام قال له: ما رأيت من الكرمة وحسنها هو الملك وحسن حالك عنده، وأما القضبان الثلاثة فإنها ثلاثة أيام تمضي في السجن ثم تخرج وتعود إلى ما كنت عليه. وقرئ { فيسقى } بضم الياء والبناء للفاعل من أسقى قال صاحب " اللوامح ": يقال: سقى وأسقى بمعنى، وقرئ في السبعة وأسقاه جعل له سقياً، ونسب ضم الياء لعكرمة والجحدري، وذكر بعضهم أن عكرمة قرأ { فيسقى } بالبناء للمفعول، و - ريه - بالياء المثناة والراء المكسورة، والمراد به ما يروى به وهو مفعول ثان - ليسقى - والمفعول الأول الضمير النائب عن الفاعل العائد على (أحد)، ونصب { خمراً } حينئذ على التمييز { وَأَمَّا الأخَرُ } وهو الخباز { فَيُصْلَبُ فتأكُلُ الطَّيْرُ من رَّأسه } روي أنه عليه السلام قال له: ما رأيت من السلال الثلاث ثلاثة أيام تمر ثم تخرج فتصلب.

{ قُضيَ } أتم وأحكم { الأَمْرُ الَّذي فيه تَسْتَفْتيَان } وهو ما يؤول إليه حالكما وتدل عليه رؤياكما من نجاة أحدكما وهلاك الآخر، ومعنى استفتائهما فيه سؤالهما عنه، أخرج جماعة منهم الحاكم وصححه عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: ما رأى صاحبا يوسف شيئاً إنما تحالما ليجريا علمه فلما أول رؤياهما قالا: إنما كنا نلعب ولم نر شيئاً، فقال عليه السلام قضي الأمر الخ يقول: وقعت العبارة اهـ. وقيل: المراد بالأمر ما اتهما به، والكلام حينئذ على حذف مضاف أي عاقبة ذلك. وذهب بعض المحققين إلى أن المراد به ما رأياه من الرؤيتين، ونفى أن يكون المراد ما يؤول إليه أمرهما، قال: لأن الاستفتاء إنما يكون في الحادثة لا في حكمها يقال: استفتي الفقيه في الحادثة أي طلب منه بيان حكمها ولا يقال: استفتاه في حكمها وكذا الإفتاء، يقال: أفتى في الواقعة الفلانية بكذا ولا يقال: أفتى في حكمها بكذا، ومما هو علم في ذلك قوله تعالى:يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ } [يوسف: 43] ومعنى استفتائهما فيه طلبهما لتأويله بقولهمانَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ } [يوسف: 36] وعبر عن ذلك بالأمر وعن طلب تأويله بالاستفتاء تهويلاً لأمره وتفخيماً لشأنه إذ الاستفتاء إنما يكون في النوازل المشكلة الحكم المبهمة الجواب. وإيثار صيغة المضارع لما أنهما بصدد الاستفتاء إلى أن يقضي عليه السلام من الجواب وطره وإسناد القضاء إليه مع أنه من أحوال مآله لأنه في الحقيقة عين ذلك المآل، وقد ظهر في عالم المثال بتلك الصورة، وأما توحيده مع تعدد رؤياهما فوارد على حسب ما وحداه في قولهما:

السابقالتالي
2