الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ يٰأَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ }

{ إِذْ قَالَ يُوسُفُ } نصب بإضمار ـ اذكر ـ بناءً على تصرفها، وذكر الوقت كناية عن ذكر ما حدث فيه والكلام شروع في إنجاز ما وعد سبحانه، وحكى مكي أن العامل في { إِذْ }ٱلْغَافِلِينَ } [يوسف: 3]. وقال ابن عطية: يجوز أن يكون العامل فيهانَقُصُّ } [يوسف: 3]، وروي ذلك عن الزجاج على معنى نقص عليك الحال إِذْ الخ وهي للوقت المطلق المجرد عن اعتبار المضي، وفي كلا الوجهين ما فيه. واستظهر أبو حيان بقاءها على معناها الأصلي وأن العامل فيهاقَالَ يٰبُنَيَّ } [يوسف: 5] كما تقول: إذ قام زيد قام عمرو، ولا يخلو عن بعد، وجوز الزمخشري كونها بدلاً منأَحْسَنَ ٱلْقَصَصِ } [يوسف: 3] على تقدير جعله مفعولاً به وهو بدل اشتمال، وأورد أنه إذا كان بدلاً من المفعول يكون الوقت مقصوصاً ولا معنى له، وأجيب بأن المراد لازمه وهو اقتصاص قول يوسف عليه السلام فإن اقتصاص وقت القول ملزوم لاقتصاص القول. واعترض بأنه يكون بدل بعض أو كل لا اشتمال، وأجيب بأنه إنما يلزم ما ذكر لو كان الوقت بمعنى القول وهو إما عين المقصوص أو بعضه، أما لو بقي على معناه وجعل مقصوصاً باعتبار ما فيه فلا يرد الاعتراض.

هذا ولم يجوزوا البدلية على تقدير نصبأَحْسَنَ ٱلْقَصَصِ } [يوسف: 3] على المصدرية، وعلل ذلك بعدم صحة المعنى حينئذ وبقيام المانع عربية، أما الأول فلأن المقصوص في ذلك الوقت لا الاقتصاص، وأما الثاني فلأن أحسن الاقتصاص مصدر فلو كان الظرف بدلاً وهو المقصود بالنسبة لكان مصدراً أيضاً وهو غير جائز لعدم صحة تأويله بالفعل، وأورد على هذا أن المصدر كما يكون ظرفاً نحو أتيتك طلوع الشمس يكون الظرف أيضاً مصدراً ومفعولاً مطلقاً لسدّه مسدّ المصدر كما في قوله:
لم تغتمض عيناك ليلة أرمد   
فإنهم صرحوا ـ كما في «التسهيل» و«شروحه» ـ أن ليلة مفعول مطلق أي اغتماض ليلة، وما ذكر من حديث التأويل بالفعل فهو من الأوهام الفارغة، نعم إذا ناب عن المصدر ففي كونه بدل اشتمال شبهة وهو شيء آخر غير ما ذكر، وعلى الأول أنه وإن لم يشتمل الوقت على الاقتصاص فهو مشتمل على المقصوص فلم لم تجز البدلية بهذه الملابسة؟ ورد بأن مثل هذه الملابسة لا تصحح البدلية، ونقل عن الرضي أن الاشتمال ليس كاشتمال الظرف على المظروف بل كونه دالاً عليه إجمالاً ومتقاضياً له بوجه مّا بحيث تبقى النفس عند ذكر الأول متشوقة إلى الثاني منتظرة له فيجيء الثاني مبيناً لما أجمل فيه فإن لم يكن كذلك يكن بدل غلط وعلى هذا يقال في عدم صحة البدلية: إن النفس إنما تتشوق لذكر وقت الشيء لا لذكر وقت لازمه ووقت القول ليس وقتاً للاقتصاص.

السابقالتالي
2 3 4 5