الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِـيۤ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَآ أَن نُّشْرِكَ بِٱللَّهِ مِن شَيْءٍ ذٰلِكَ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ }

{ وَٱتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِـيۤ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ } داخل في حيز التعليل كأنه قال: إنما فزت بما فزت بسبب أني لم أتبع ملة قوم كفروا بالمبدأ والمعاد واتبعت ملة آبائي الكرام المؤمنين بذلك، وإنما قاله عليه السلام ترغيباً لصاحبيه في الإيمان والتوحيد وتنفيراً لهما عما كانا عليه من الشرك والضلال، وقدم ذكر تركه لملتهم على ذكر اتباعه لملة آبائه عليهم السلام لأن التخلية مقدمة على التحلية. وجوز بعضهم أن لا يكون هناك تعليل وإنما الجملة الأولى مستأنفة ذكرت تمهيداً للدعوة والثانية إظهاراً لأنه من بيت النبوة لتقوى الرغبة فيه، وفي كلام أبي حيان ما يقتضي أنه الظاهر وليس بذاك. وقرأ الأشهب العقيلي والكوفيون { آبائي } بإسكان الياء وهي مروية عن أبي عمرو { مَا كَانَ } ما صح وما استقام فضلاً عن الوقوع { لَنَا } معاشر الأنبياء لقوة نفوسنا، وقيل: أي أهل هذا البيت لوفور عناية الله تعالى بنا { أَن نُّشْركَ بالله من شَيْء } أي شيئاً أي شيء كان من ملك أو جني أو إنسي فضلاً عن الصنم الذي لا يسمع ولا يبصر - فمن - زائدة في المفعول به لتأكيد العموم، ويجوز أن يكون المعنى شيئاً من الإشراك قليلاً كان أو كثيراً فيراد من { شَيْء } المصدر وأمر العموم بحاله، ويلزم من عموم ذلك عموم المتعلقات.

{ ذَلكَ } أي التوحيد المدلول عليه بنفي صحة الشرك { من فَضْل الله عَلَيْنَا } أي ناشئ من تأييده لنا بالنبوة والوحي بأقسامه، والمراد أنه فضل علينا بالذات { وَعَلَى النَّاس } بواسطتنا { وَلَكنَّ أَكْثَرَ النَّاس لاَ يَشْكُرُونَ } أي لا يوحدون، وحيث عبر عن ذلك بذلك العنوان عبر عن التوحيد الذي يوجبه بالشكر لأنه مع كونه من آثار ما ذكر من التأييد شكر لله عز وجل. ووضع الظاهر موضع الضمير الراجع إلى الناس لزيادة التوضيح والبيان ولقطع توهم رجوعه إلى مجموع الناس وما كنى عنه - بنا - الموهم لعدم اختصاص غير الشاكر بالناس، وفيه من الفساد ما فيه. وجوز أن يكون المعنى ذلك التوحيد ناشئ من فضل الله تعالى علينا حيث نصب لنا أدلة ننظر فيها ونستدل بها على الحق، وقد نصب مثل تلك الأدلة لسائر الناس أيضاً من غير تفاوت ولكن أكثرهم لا ينظرون ولا يستدلون بها اتباعاً لأهوائهم فيبقون كافرين غير شاكرين، والفضل على هذا عقلي وعلى الأول سمعي. وجوز المولى أبو السعود أن يقال: المعنى ذلك التوحيد من فضل الله تعالى علينا حيث أعطانا عقولاً ومشاعر نستعملها في دلائل التوحيد التي مهدها في الأنفس والآفاق، وقد أعطى سائر الناس أيضاً مثلها ولكن أكثرهم لا يشكرون أي لا يصرفون تلك القوى والمشاعر إلى ما خلقت هي له ولا يستعملونها فيما ذكر من أدلة التوحيد الآفاقية والأنفسية والعقلية والنقلية انتهى.

السابقالتالي
2