الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ ٱلآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّىٰ حِينٍ }

{ ثُمَّ بَدَا لَهُم } أي ظهر للعزيز وأصحابه المتصدين للحل والعقد ريثما اكتفوا بأمر يوسف عليه السلام بالكتمان والإعراض عن ذلك { مِّن بَعْد مَا رَأَوُاْ الآيَات } الصارفة لهم عن ذلك البداء وهي الشواهد الدالة على براءته عليه السلام وطهارته من قد القميص وقطع النساء أيديهن، وعليهما اقتصر قتادة فيما أخرجه عنه ابن جرير، وفيه إطلاق الجمع على اثنين والأمر فيه هين، وعن مجاهد الاقتصار على القد فقط لأن القطع ليس من الشواهد الدالة على البراءة في شيء حينئذ للتعظيم، ويحمل الجمع حينئذ على التعظيم أو أل على الجنسية وهي تبطل معنى الجمعية كذا قيل، وهو كما ترى. ووجه بعضهم عدّ القطع من الشواهد بأن حسنه عليه الصلاة والسلام الفاتن للنساء في مجلس واحد، وفي أول نظرة يدل على فتنتها بالطريق الأولى وأن الطلب منها لا منه، وعدّ بعضهم استعصامه عليه السلام عن النسوة إذ دعونه إلى أنفسهن فإن العزيز وأصحابه قد سمعوه وتيقنوا به حتى صار كالمشاهد لهم، ودلالة ذلك على البراءة ظاهرة. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة قال: سألت ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن الآيات فقال: ما سألني عنها أحد قبلك من الآيات: قد القميص وأثرها في جسده وأثر السكين فعدَّ رضي الله تعالى عنه الأثر من الآيات ولم يذكر فيما سبق، ومن هنا قيل: يجوز أن يكون هناك آيات غير ما ذكر ترك ذكرها كما ترك ذكر كثير من معجزات الأنبياء عليهم السلام. وفاعل { بدا } ضمير يعود إما للبداء مصدر الفعل المذكور أو بمعنى الرأي كما في قوله:

لعلك والموعود حق لقاؤه   (بدا) لك في تلك القلوص بداء
وإما للسجن بالفتح المفهوم من قوله سبحانه: { لَيَسْجُنُنَّهُ } وجملة القسم وجوابه إما مفعول لقول مضمر وقع حالاً من ضميرهم وإلى ذلك ذهب المبرد، وإما مفسرة للضمير المستتر في { بَدَا } فلا موضع لها. وقيل: إن جملة { لَيَسْجُنُنَّهُ } جواب - لبدا - لأنه من أفعال القلوب، والعرب تجريها مجرى القسم وتتلقاها بما يتلقى به، وزعم بعضهم أن مضمون الجملة هو فاعل { بَدَا } كما قالوا في قوله سبحانه:أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ / ٱلْقُرُونِ } [السجدة: 26] وقوله تعالى:وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ } [إبراهيم: 45] أن الفاعل مضمون الجملة أي كثرة إهلاكنا وكيفية فعلنا، وظاهر كلام ابن مالك في " شرح التسهيل " أن الفاعل في ذلك الجملة لتأويلها بالمفرد حيث قال: وجاز الإسناد في هذا الباب باعتبار التأويل كما جاز في باب المبتدأ نحوسَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ } [البقرة: 6] وجمهور النحاة لا يجوزون ذلك كما حقق في موضعه.

السابقالتالي
2