الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي ٱلْمَدِينَةِ ٱمْرَأَةُ ٱلْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ }

{ وَقَالَ نِسْوَةٌ } المشهور ـ وإليه ذهب أبو حيان ـ أنه جمع تكسير للقلة كصبية وغلمة، وليس له واحد من لفظه بل من معناه وهو امرأة. وزعم ابن السراج أنه اسم جمع، وعلى كل فتأنيثه غير حقيقي ولا التفات إلى كون ذلك المفرد مؤنثاً حقيقاً لأنه مع طرو ما عارض ذلك ليس كسائر المفردات ولذا لم يؤنث فعله، وفي نونه لغتان: الكسر وهي المشهورة والضم وبه قرأ المفضل والأعمش والسلمي كما قال القرطبـي فلا عبرة بمن أنكر ذلك، وهو إذ ذاك اسم جمع بلا خلاف، ويكسر للكثرة على نساء ونسوان، وكنّ فيما روي عن مقاتل خمساً: امرأة الخباز وامرأة الساقي وامرأة البواب وامرأة السجان وأمرأة صاحب الدواب. وروى الكلبـي أنهن كنّ أربعاً بإسقاط امرأة البواب { فِي ٱلْمَدِينَةِ } أريد بها مصر، والجار والمجرور في موضع الصفة ـ لنسوة ـ على ما استظهره بعضهم، ووصفن بذلك لأن إغاظة كلامهن بهذا الاعتبار لاتصافهن بما يقوى جانب الصدق أكثر فإن كلام البدويات لبعدهن عن مظان الاجتماع والاطلاع على حقيقة أحوال الحضريات القصريات لا يلتفت إلى كلامهن فلا يغيظ تلك الإغاظة، والكثير على اختيار تعلقه بقال ومعنى كون قولهن في المدينة إشاعته وإفشاؤه فيها، وتعقب بأن ذلك خلاف الظاهر.

{ ٱمْرَأَتُ ٱلْعَزِيزِ } هو في الأصل الذي يقهر ولا يقهر كأنه مأخوذ من عز أي حصل في عزاز وهي الأرض الصلبة التي يصعب وطؤها / ويطلق على الملك، ولعلهم كانوا يطلقونه إذ ذاك فيما بينهم على كل من ولاه الملك على بعض مخصوص من الولايات التي لها شأن فكان من خواصه ذوي القدر الرفيع والمحل المنيع، وهو بهذا المعنى مراد هنا لأنه أريد به قطفير، وهو في المشهور كما علمت إنما كان على خزائن الملك ـ وكان الملك الريان بن الوليد ـ وقيل: المراد به الملك، وكان قطفير ملك مصر واسكندرية، وإضافتهن لها إليه بهذا العنوان دون أن يصرحن باسمها أو اسمه ليظهر كونها من ذوات الأخطار فيكون عوناً على إشاعة الخبر بحكم أن النفوس إلى سماع أخبار ذوي الأخطار أميل، وقيل ـ وهو الأولى ـ إن ذاك لقصد المبالغة في لومها بقولهن.

{ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ } أي تطلب مواقعته إياها وتتمحل في ذلك، وإيثارهن صيغة المضارع للدلالة على دوام المراودة كأنها صارت سجية لها، والفتى من الناس الطري من الشبان، وأصله فتى بالياء لقولهم في التثنية ـ وهي ترد الأشياء إلى أصولها ـ فتيان، فالفتوة على هذا شاذ، وجمعه فتية وفتيان، وقيل: إنه يائي وواوي ككنوت وكنيت، وله نظائر كثيرة، ويطلق على المملوك والخادم لما أن جل الخدمة شبان.

السابقالتالي
2 3