الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَآ إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ }

{ قَالَ } استئناف وجواب عما يقال: فماذا قال يوسف عليه السلام حينئذ؟ فقيل: قال: { هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي } أي طالبتني للمواتاة لا أني أردت بها سوءاً كما زعمت وإنما قاله عليه السلام لتنزيه نفسه عن التهمة ودفع الضرر عنها لا لتفضيحها. وفي التعبير عنها بضمير الغيبة دون الخطاب أو اسم الإشارة مراعاة لحسن الأدب مع الإيماء إلى الإعراض عنها كذا قالوا - وفي هذا الضمير ونحو كلام فقد ذكر ابن هشام في بعض «حواشيه» على قول ابن مالك في «ألفيته»:
فما الذي غيبة أو حضور   
الخ لينظر إلى نحو { هِيَ رَاوَدَتْنِي } فإن { هِيَ } ضمير باتفاق، وليس هو للغائب بل لمن بالحضرة، وكذايٰأَبَتِ ٱسْتَئْجِرْهُ } [القصص: 26] وهذا في المتصل وذاك في المنفصل، وقول من يخاطب شخصاً في شأن آخر حاضر معه قلت له: اتق الله تعالى وأمرته بفعل الخير، وقد يقال: إنه نزل الضمير فيهن منزلة الغائب وكذا في عكس ذلك يبلغك عن شخص غائب شيء فنقول: ويحك يا فلان أتفعل كذا؟ تنزلاً له منزلة من بالحضرة، وحينذ يقال: الحد المستفاد مما ذكر إنما هو للضمير باعتبار وضعه اهـ.

وقال السراج البلقيني في رسالته المسماة «نشر العبير لطي الضمير» المفسر لضمير الغائب إما مصرح به أو مستغنى بحضور مدلوله حساً أو علماً فالحس نحو قوله تعالى: { هِيَ رَاوَدَتْنِي } ويٰأَبَتِ ٱسْتَئْجِرْهُ } [القصص: 26] كما ذكره ابن مالك، وتعقبه شيخنا أبو حيان بأنه ليس كما مثل به لأن هذين الضميرين عائدان على ما قبلهما فضمير { هِيَ رَاوَدَتْنِي } عائد على الأهل في قولها:مَا جَزَآء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا } [يوسف: 25] ولما كنت عن نفسها بذلك ولم تقل بـي بدل { بِأَهْلِكَ } كنى هو عليه السلام عنها بضمير الغيبة فقال: { هِيَ رَاوَدَتْنِي } ولم يخاطبها بأنت راودتيني، ولا أشار إليها بهذه راودتني وكل هذا على سبيل الأدب في الألفاظ والاستيحاء في الخطاب الذي لا يليق بالأنبياء عليهم السلام، فأبرز الاسم في صورة ضمير الغائب تأدباً مع العزيز وحياءاً منه، وضمير { ٱسْتَـجِرْهُ } [القصص: 26] عائد على موسى فمفسره مصرح بلفظه، وكأن ابن مالك تخيل أن هذا موضع إشارة لكون صاحب الضمير حاضراً عند المخاطب فاعتقد أن المفسر يستغني عنه بحضور مدلوله حساً فجرى الضمير مجرى اسم الإشارة، والتحقيق ما ذكرناه هذا كلامه.

وعندي أن الذي قاله ابن مالك أرجح مما قاله الشيخ، وذلك أن الإثنين إذا وقعت بينهما خصومة عند حاكم فيقول المدعي للحاكم: لي على هذا كذا: فيقول المدعى عليه: هو يعلم أنه لا حق له علي، فالضمير في هو إنما / هو لحضور مدلوله حساً لقوله: لي كما هو المتبادر إلى الأفهام، وأيضاً يرد على ما ذكره في ضمير

السابقالتالي
2 3