الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ ٱلزَّاهِدِينَ }

{ وَشَرَوْهُ } الضمير المرفوع إما للإخوة فشرى بمعنى باع، وإما للسيارة فهو بمعنى اشترى كما في قوله:
(وشريت) برداً ليتني   من بعد برد كنت هامه
وقوله:
ولو أن هذا الموت يقبل فدية   (شريت) أبا زيد بما ملكت يدي
وجوز أن يكون على هذا الوجه بمعنى باع بناءاً على أنهم باعوه لما التقطوه من بعضهم { بِثَمَنٍ بَخْسٍ } أي نقص وهو مصدر أريد به اسم المفعول أي منقوص، وجوز الراغب أن يكون بمعنى باخس أي ناقص عن القيمة نقصاناً ظاهراً، وقال مقاتل: زيف ناقص العيار، وقال قتادة: بخس ظلم لأنه ظلموه في بيعه، وقال ابن عباس والضحاك في آخرين: البخس الحرام وكان ذلك حراماً لأنه ثمن الحر وسمي الحرام بخساً لأنه مبخوس البركة أي منقوصها، وقوله سبحانه: { دَرٰهِمَ } بدل من ثمن أي لا دنانير { مَّعْدُودَةٍ } أي قليلة وكنى بالعدّ عن القلة لأن الكثير يوزن عندهم وكان عدة هذه الدراهم في كثير من الروايات عشرين درهماً، وفي رواية / عن ابن عباس اثنين وعشرين، وفي أخرى عنه عشرين وحلة ونعلين، وقيل: ثلاثين وحلة ونعلين، وقيل: ثمانية عشر اشتروا بها أخفافاً ونعالاً، وقيل: عشرة، وعن عكرمة أنها كانت أربعين درهماً، ولا يأبـى هذا ما ذكره غير واحد من أن عادتهم أنهم لا يزنون إلا ما بلغ أوقية وهي أربعون درهماً إذ ليس فيه نفي أن الأربعين قد تعدّ.

{ وَكَانُواْ فِيهِ } أي في يوسف كما هو الظاهر { مِنَ ٱلزٰهِدِينَ } أي الراغبين عنه، والضمير في { وَكَانُواْ } إن كان للإخوة فظاهر وإن كان للرفقة وكانوا بائعين فزهدهم فيه لأنهم التقطوه والملتقط للشيء متهاون به لا يبالي بما باعه ولأنه يخاف أن يعرض له مستحق ينتزعه من يده فيبيعه من أول مساوم بأوكس الثمن وإن كان لهم وكانوا مبتاعين بأن اشتروه من بعضهم أو من الإخوة فزهدهم لأنهم اعتقدوا فيه أنه آبق فخافوا أن يخاطروا بما لهم فيه، وقيل: ضمير { فِيهِ } للثمن وزهدهم فيه لرداءته أو لأن مقصودهم ليس إلا إبعاد يوسف عليه السلام وهذا ظاهر على تقدير أن يكون ضمير { كَانُواْ } للإخوة، والجار ـ على ما نقل عن ابن مالك ـ متعلق بمحذوف يدل عليه ـ الزاهدين ـ أي كانوا زاهدين فيه من الزاهدين، وذلك أن اللام في الزاهدين اسم موصول ولا يتقدم ما في صلة الموصول عليه، ولأن ما بعد الجار لا يعمل فيما قبله، وهل { مِنَ ٱلزٰهِدِينَ } حينئذ صفة لزاهدين المحذوف مؤكدة كما تقول: عالم من العلماء. أو صفة مبينة أي زاهدين بلغ بهم الزهد إلى أن يعدّوا في الزاهدين لأن الزاهد قد لا يكون عرقياً في الزاهدين حتى يعدّ فيهم إذا عدّوا أو يكون خبراً ثانياً؟ كل ذلك محتمل، وليس بدلا من المحذوف لوجود { مِنْ } معه، وقدر بعضهم المحذوف أعنى وأنا فيه من الزاهدين، وقال ابن الحاجب في «أماليه»: إنه متعلق بالصلة والمعنى عليه بلا شبهة وإنما فروا منه لما فهموا من أن صلة الموصول لا تعمل فيما قبل الموصول مطلقاً، وبين صلة ـ أل ـ وغيرها فرق فان هذه على صورة الحرف المنزل منزلة الجزء من الكلمة فلا يمتنع تقديم معمولها عليها فلا حاجة إلى القول بأن تعلقه بالمذكور إنما هو على مذهب المازني الذي جعل ـ أل ـ في مثل ذلك حرف تعريف وكأنه لا يرى تقدم معمول المجرور ممتنعاً وإلا لم يتم بما ذكره ارتفاع المحذور.

السابقالتالي
2 3